أريد أن أصبح "خبيرًا"!

 

سيف بن سالم المعمري

شهدت مؤسسات الجهاز الإداري للدولة خلال السنوات القليلة الماضية توسعا مطردا في الهياكل التنظيمية وزاد عدد الموظفين فيها كمًا وكيفًا، وحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الخدمة المدنية فقد بلغ عدد موظفي الخدمة المدنية حتى نهاية يونيو الماضي 176406 موظفين وموظفات، يشكل العُمانيون 86.9% والبالغ عددهم  153321موظفا وموظفة؛ يمثل الذكور 52.4%، والإناث 47.6% من إجمالي الموظفين العُمانيين، يعملون في 38 وحدة بقطاع الخدمة المدنية.

وتواصل وزارة الخدمة المدنية جهودها في مراجعة الهياكل التنظيمية لوحدات الجهاز الإداري واختصاصاتها، واقتراح التعديلات اللازمة إن اقتضى الأمر، لتفعيل اختصاصات تلك الوحدات وإزالة أي تداخل أو ازدواجية في ممارسة الاختصاصات المسندة إليها؛ لتحقيق أهداف كل وحدة حسب طبيعة ونوع العمل المسند إليها وأنشطتها المختلفة.

كما تبذل وزارة الخدمة المدنية جهودا مقدرة لرفع مستوى الأداء الحكومي في جميع وحدات الجهاز الإداري للدولة، والتي هي بحاجة ملحة إلى مضاعفة الجهد خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، ووضع ضوابط صارمة للترقي الوظيفي في جميع مؤسسات الجهاز الإداري الخاضعة لقانون الخدمة المدنية، وتشكيل لجنة مشتركة يكون أعضاؤها من وزارة الخدمة المدنية وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وأعضاء من الوزارات المعنية بالجهاز الإداري، بالإضافة إلى إيجاد بطاقات وصف وظيفي لجميع الوظائف في كل وحدة حكومية، وألا تكون بطاقات الوصف الوظيفي مجرد حبر على ورق، بل تكون فاعلة وذات تأثير نوعي في تطوير العمل الإداري في جميع المؤسسات المعنية.

ومن بين الوظائف التي تحتاج إلى بطاقة وصف وظيفي في مؤسساتنا هي وظيفة "الخبير" فهذه الوظيفة تعد من الوظائف المعطلة في مؤسسات الجهاز الإداري، ومن يحصل على مسمى "خبير" لا ينتج بنفس القدر الذي ينتجه الموظف العادي، فهو غير ملزم بالتوقيع على الحضور والانصراف، ويأتي متى شاء إلى المؤسسة، ويخرج متى شاء، ويصرف له موقفا خاصا لسيارته، واشتراكا سنويا في نسخة من إحدى الجرائد اليومية، وله مكتب خاص وبأثاث فاخر، ويستبدله بآخر متى ما شاء.. وليس كل خبير خبيرا، وليس كل من أصبح خبيرًا كان بمحض إرادته، وليس كل من أراد أن يصبح خبيرًا أعطي بمحض إرادته، فوظيفة "الخبير" في مؤسساتنا تمنح لأحد اثنين، رجل مجتهد ومخلص في عمله ويسعى إلى تطوير مؤسسته وربما منح فرصة للترقي الوظيفي من وظيفته السابقة إلى وظيفة أعلى منها ولكن في محافظة أخرى، ولظروفه الاجتماعية وأحيانا الصحية، فضل التنازل عن الوظيفة الأعلى والقبول بوظيفة "الخبير" التي لم تعرها المؤسسة أي اهتمام، وبقي ذلك الخبير مجرد اسم يتناثر بين الأوراق الرسمية، ويسند إليه رئاسة أو عضوية بعض اللجان وتمثيل رئيس الوحدة في رعاية الاحتفالات ونحو ذلك، وهو في الحقيقة لم يُستفد من خبراته المهنية السابقة، والدور الذي تسنده له المؤسسة يمكن أن يقوم به أي موظف.

أما الصنف الآخر من الخبراء فهو على النقيض من الأول فهذا الصنف لا يوجد لديه ما يشفع له ليصبح خبيرًا سوى أنه شخص غير منتج وقد يكون غير ناجح وظيفيا، وربما وجوده في هذه الوظيفة يحمل الكثير من الضرر والإضرار بالعمل، لما قد يمثله من سلبيات على الموظفين، لاسيما المجتهدين منهم.

وحسب الكتاب الإحصائي الصادر في شهر أغسطس 2017م عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن عدد الموظفين العُمانيين بالخدمة المدنية شاغلي وظائف الإدارة العليا والوسطى المباشرة حتى عام 2016م يبلغ 10371 موظفا، منهم 437 في وظيفة خبير.

والمتعارف عليه بين أفراد المجتمع الوظيفي أن الخبير هي الوظيفية التي يشغلها ذوو المهارات العليا والمتمكنون من مجال أو مجالات معينة قضى فيها سنوات خدمة وخبرة، فسنوات الخدمة هي عدد السنوات التي قضاها للعمل في مجال أو مجالات معينة أكسبته تلك السنوات الحذق والتمكن فيما كان يعمله، بينما سنوات الخبرة هي المهارات والخبرات التي اكتسبها نتيجة البحث والاستقصاء والتفاعل والمشاركة والتطوير المستمر للذات وروح المبادرة والتي أكسبته خبرات عالية أهلته ليصبح خبيرًا في المجالات التي كان يعمل فيها.

ومن المؤسف حقًا أن تجد عدداً لا بأس به من الخبراء الحاليين في المؤسسات من الصنف الثاني، ومن سيأتون خلال الفترة المقبلة يتم تهيئة الطريق أمامهم الآن ليصلوا لتلك الوظيفة. فلو أصبح "الخبير" في المؤسسة، يعمل ليل نهار في الدراسات والبحوث الميدانية ويقترح حلولا واقعية لقضايا المؤسسة، ويسهم في التطوير المستمر في جميع مفاصلها، فكيف سيصبح حال مؤسساتنا التي ازدحمت بالعشرات من الخبراء في كل وحدة؟!

واقع الحال أن أصبح كل موظف يسعى للتدرج الوظيفي ليصبح خبيرًا، فقد عكست تلك الوظيفة صورة غير التي تعارف عليها موظفو المؤسسة، ولا غرابة إذا ما تعلق كل موظف بحلم أن يصبح خبيرا!!

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com