أَعْتَذِرُ.. مالم تقله زليخة عاشقة يوسف

عادل الكلبانيّ – سلطنة عُمان

 

 (1)
مالم تقله زليخة عاشقة يوسف
كان كوتيفار إذا أقبل المساء......
المساء الذي يجمع كل عاشق بخلهِ/ كل طيف بلونهِ/ كل حفيف بظلهِ/ كل شهد بنحلهِ../ يتوارى كوتيفار محتجاً مرة بفرعونهِ/ ومرة كرسولهِ إلى بلد بعيد/ ومرة بضيوفهِ الكُثر...
 تكرار الغياب حجة للهرب..
يُطرب كوتيفار ويسهر الليل كله/ مع أصدقائهِ/ رقصاً وعشقاً وخمراً وأغنيات
صدى ضحكته أسمعها في حجرتي كالصديد/ وأنا الملسوعة/ بهذا الجسد كعقرب/ أنوء بعذابهِ/ يُزعجني ثمرهُ/ قطافه دان كجنة/ ولا قاطف له/ يُزغرد كحقل البراري/ ولا حاصد لقمحهِ/ وردة يُفتقها الندى/ هذا الجسد الهادر كبحر/ لا يجد من يُقدّس موجهُ/ ويُطهر لؤلؤه/ هذا الجسد الباسق المُتعثكل توتاً وتيناً/ مروجهُ تلمع كالمرايا/ ولذته كالعسل/ لكن كوتيفار بعيداً عنه كسماء/ ولا يُشعر بوطنهِ كالغريب .........
هذا الوغد لما اقترن بي/ إن لم يكن صالحاً ليطفأ النار/ أنا لست زينة في معصمهِ/ ولا تحفة في قصره/ هذا العجوز الأخرق/ كم بت أكرهه وأشمأز منه كطحلب/ إنه لا يقترب وكلما حاولته/ نظر في المرايا/مسح على رأسهِ / وانسحب/ كأنه قادم من حرب خاسرة/ ويُبعدني عنه كهزيمة/
 كأنه يقول أكرهك ولا ينطق بها..
أيها العجوز/ من يستيقظ على فاكهة بقربهِ / مُخضلة بالنور والورد والندى ولا يهم بقطفها / أو يتنفس عطرها كالشهداء.
مرة في صباح يتدفق نوره كالذهب/ من بين نوافذ القصر/ استيقظت/ متثائبة من حلم البارحة/ كان لذيذاً بطعم نبيذ عذب/ كان حلماً/ مجرد حلم..
الجارية تطرق الباب وتمشي الهوينا كفراشة/ لتُبلغني أن حوض الأستحمام بانتظاري..
حوض الاستحمام بانتظاري قلت في نفسي وأنا أُصر على أسناني في غيظ/ عن أي اغتسال تتحدثين .......
اغتسلت....
جلست ومابي شهية في الأكل/ بي شهية لأن أصعد فوق هذا القصر وأرمي بنفسي من أعاليه/ علّني أتخلص من هذا العذاب
كان ثمة ضجيج على أشده في القصر
سألت الجارية: مالخطب.. ماهذا الصخب؟
قالت: عبد جديد أرسله مولانا هذا الصباح/ تحاول الجواري أن يفهمن مايقوله من حديث عجيب لم نسمع به من قبل..
قلت بغيظ:
كأنما ينقصنا العبيد في هذا القصر/ هذا الكوتيفار الوغد من يظن نفسه/ إله كفرعون مثلاً / ليأتي كل يوم بعبد جديد/ يسبحون باسمه آناء الليل وأطراف النهار/ ولو عرفوا بسيرتهِ لبصقوا في وجهه باحتقار..
قالت الجارية:إنه ينتظر ليمثُل بين يديكِ؟
قلت: لا أُريد أن أرى عبداً في صباح جميل كهذا/ كم أتشائم عندما أراهم يعبرون الطرقات وأسمعهم يتشدقون بما لا طاقة لهم به/ ويحلمون بمجدٍ ليس لهم فيه تاريخ أو بطولة.........
 العبيد خُلقوا للتطبيل وتقديس الفراعنة / إن الفرعون ليطأهم كالنعال/ ويُرسل من يُذيقهم الذل والحاجة في واقعهم وهم مع ذلك يرون ويسمعون  مايحل بهم لكن الهوان طبعهم والقهر ديدنهم/ فرحين بما آتاهم من شرف كهذا/ يُطعمهم من جوع/ ويأمنهم من خوف كما يدّعون ........ كم أكره سيرة العبيد..
هل يحمل هذا العبد الجديد على صدرهِ بوقاً ليُطبل لمولاه كوتيفار كالأراجوز؟
قالت الجارية في عجب:
لا يحمل هذا العبد- يامولاتي- عدا جماله فقط..
ضحكت.. ضحكت حتى كُدت أستلقي على ظهري من كثرة الضحك/ وربما كنت أضحك من نفسي بماوصلت إليه من حال كالبكاء...
قلت والضحك يتدفق من ثغري كقهر..
هذه أكبر تحية للكذب أسمعها هذا الصباح
أدخليه قلتها بسخرية مرة /جميلكِ هذا لنراه..............
****
(2)
أَعْتَذِر..

أعتذر
عن كل شوق لم يكن كالمطر يروي براريكِ بمافيه الكفاية.
أعتذر
عن كل جرح سببته لعينيكِ فاض دمعكِ كالندى مخضباً وجه الورد.
أعتذر
عن كل ذكرى لم توقظ الغياب فرحاً بكِ كأجراس الكنائس
أعتذر
عن كل ذكرى لم أكتبها بدمي/ لتعلق في الشرايين لئلا ينفد إليها غفلة أو نسيان
أعتذر
عن كل لحظة حب/ لم أرسمها قصيدة
أعتذر
عن كل بسمة من شفتيكِ/ لم أقطفها ورداً وينابيع
أعتذر
عن كل تلك الدروب/ التي عفَّرتنا بالذكريات/ وحين أزورها/ تتجمع كالغبار في دمعة العين/ لأبكي
أعتذر
عن كل تلك الأحاديث والذكريات / التي كانت بيننا/ المتدفقة كالأغنيات/ ولم أسكبها كالعطر فينا
أعتذر
عن كل لقاء/ لم أغرق في حضنكِ/ لأتنفسكِ/ بحراً يجدد موجه كل هدير
أعتذر
عن كل فرح لم يكتمل
وعن كل ظل هجرناه
وعن كل ورد غرسناه
عن كل ضحكة أطلقناها كالأطفال تيمناً بالعشق/ ونحن نشتكي شوقه/من قبل/ومن/ بعد
أعتذر
عن كل دمعة ألم سفحناها في مستهل كل وداع/ ولم نمسك بأيدي بعضنا بقوة لئلا تكسرنا الأيام..

تعليق عبر الفيس بوك