عُمان..الصورة والحقيقة

بقلم: د. منير لطفي*

 

قبل نحو عشرين سنة مِن الآن، دأب تليفزيون أرض الكنانة(مصر) في ظهيرة كلِّ جُمعة، على بثّ برنامج "عُمان في أسبوع"؛ ليُلقي مِن خلالِه الضوْء على ما تواتر من أنباء، ويَنقل ما استجدَّ مِن أحداث في هذا الإقليم القابع في الغرب الآسيوي، والذي صنَّفه الجغرافيون قديما ضمن أقاليم شبه الجزيرة العربية الخمْس، بصحبة أقاليم نجد، والحجاز، والبحرين، واليمن، ثمّ ذكروا أنه أوّل صفْحة عربية تُسطِّر  فيها الشمسُ خطوطَها الذهبية كلّ صباح، بينما تركوا للتاريخ دوره في البوح  بأسماء أعلام برزت مِن هذا الإقليم، وكان  لهم في العِلم باع طويل وفي خدمة الإنسانيّة وزن مِن العيار الثقيل؛ أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي وضَع عِلم العروض، وابن دريْد الذي لُقِّب بأعْلم الشعراء وأشْعر العلماء، والمهلّب بن أبي صفرة الذي مهّد لفتح بلاد السند وولِي الإمارة على خراسان زمن الدولة الاموية، إضافة إلى الرحالة الشهير أحمد بن ماجد، وغيرهم.
 وقد مثّل لي هذا البرنامج نافذة أَطْللتُ منها على السلْطنة التي بدتْ مِن خلال الصور المصاحِبة في أبهى صورة وأجمل حلّة ؛ وذلك مِن حيث التناسق العمراني، وحَداثة المنشآت، وتوافر الخدمات، إضافة إلى تألق الأزهار في الميادين، واصطفاف النخيل والأشجار على ضفاف الطرق.

شاءتْ الأقدارُ-والخيْر قرين المشيئة- فقدمْتُ إلى عُمان، وعِشتُ في جنَباتها وخالطْتُ أهلَها على مدار ما يقرب من عقديْن، ولم تُخطئ العينُ النظامَ الذي يبسط مظلّته، ولا النظافة التي يفوح شذاها، ولا الهدوء الذي يلفّ الأفق، ولا الطِّيبة التي تغلّف السلوك، ولا التسامح الذي يكسو الوجوه، ولا الأمْن الذي يرفرف بجناحيه، ولا الطبيعة التي تفتح ذراعيها فتَجود بنقاء طويّتها وصفاء فطرتها .

وإنْ شئتَ مِن الحُسْن بابا ومِن الواقع مثالا؛ فلك أن تتخيّل عجبي مِن الإغراق في تعبير "سامِحني" الذي تلهج به الألسنة دون اقتراف أدنى خطأ أو ثمّة إثْم، ولك أن تتمثّل دهشةَ والدي-رحمه الله-حين قدم لزيارتي ونَعمَتْ أذنُه بغياب آلة التنبيه التي تصمّ الآذان في شوارع دول أخرى، حتى اعتقَد-رحمه الله- أنّ تلك السيارات مُصمَّمة بدون آلات تنبيه!
كما لك أن تقرأ سِفْر الوفاء حين لا يَخلو مجلسٌ مِن الاعتراف بجميل المعلّم المصري ومِن الإشادة بقدراته وإسهاماته في العمليّة التعليمية، في بادرة تنمّ عن الشِّيمة والمروءة، إذْ لا يَعترف بالفضل إلّا أهل الفضل ولا يُقرّ بالجميل إلّا كلُّ جميل...ولعلّ تلك الشمائل التي اتّصف بها أهلُها، والروح السّمْحة  التي  احتفَت بالمقيمين على أرضها واحتضنتهم كأبنائها؛ هي ما جعلتْها قبلة يشتاقها الفؤاد ويحمدها اللسان وتهفو إليها النفس.

ورغم قطار الحداثة الذي لا يتوقف عن الدوران في ربوع السلطنة ليل نهار، وظهرت آثارُه جليّة في تعميم الخدمات الالكترونية التي تتمّ مِن خلالها   كافة التعاملات الرسمية، فتيسّر العسير وتختصر الوقت وتوفّر الجهد؛ إلّا أنّ التقاليد العربية الأصيلة ما زالت حاضرة وبقوّة ؛سواء في المطعم والملبس، أو في طقوس الضيافة والأفراح وغيرها.
وهو ما يدلّل على امتلاك زمام الأصالة والمعاصرة، ويؤشِّر على نهج التوازن والاعتدال الذي اختطَّته السلطنةُ لنفسها داخليا وخارجيا؛ فقفزت فوق الفخاخ المذهبية التي  تنهش بعض الدول المجاورة وتمزّقها إربا إربا، ونأت بنفسها  عن التحالفات الإقليمية والدولية التي اصطبغت بها السياسة العالمية، فكانت بذلك  مثالا للحكمة ورمزا للسلام، وسط عالم يموج بالاضطرابات مِن أقصاه إلى أقصاه.
ألَا حفظ الله عُمان أمْنا وأمانا، وسقاها الله خيْرا رغيدا وسلاما عميما.

*طبيب وكاتب

تعليق عبر الفيس بوك