الرؤية -خالد أحمد
في مشهد سينمائي مثير وتفاصيل غامضة نجح أنطونيو ليدزما رئيس المعارضة الفنزويلية في الهروب من السجن واستطاع اجتياز مايقارب 30 نقطة تفتيش وكأنه ارتدى طاقية الإخفاء ليفاجئ الجميع بأنه موجود في أسبانيا، بعد أن فر من إقامته الجبرية لاتهامه بالتورط في انقلاب عبر حدود فنزويلا إلى كولومبيا ومنها جواً الى أسبانيا ليقول لوكالات الأنباء والابتسامة على وجهه"في أسبانيا اليوم أشعر بالحرية" ثم يردد مع بعض مؤيديه النشيد الوطني.
هروب "مصاص الدماء" كما أطلق عليه الرئيس نيكولاس مادورو هو آخر تطور في الأحداث التي تشهدها فنزويلا خلال الأعوام الماضية، جزء منها اقتصادي يحمل تفاصيل أزمة طاحنة تمر بالبلد الغني بموارده، والجزء الآخر سياسي تبدو فيه الإدارة الأمريكية طرفاً أساسياً على مسرح الأحداث.
قراصنة الاقتصاد
ومن الصعوبة محاولة فهم مايجري على مسرح الأحداث في فنزويلا والكثير من بلدان أمريكا اللاتينية والعالم أيضاً دون تذكر بعض مما ورد في كتاب (الاغتيال الاقتصادي للأمم - اعترافات قرصان اقتصاد) لجون بيركنز الذي صدر قبل أقل من 10 أعوام وترجم الى عدة لغات منها العربية، ومؤلفه خبير اقتصادي دولي يقدم ما يشبه الاعترافات بممارسات "الكوربورقراطية" وهي إمبراطورية عالمية تسيطر من خلالها الشركات الكبرى على اقتصاد العالم.
في الكتاب كشف المؤلف عن الكثير من التفاصيل والمؤامرات التي يتم غزل خيوطها من خلال القروض والمشروعات والاعتماد على مراكز قوى ثرية في البلد المستهدف، وبحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.
وعلى سبيل المثال يعترف المؤلف أنه وزملاءه توصلوا إلى دفع الإكوادور نحو الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50% إلى 70% من السكان، وازدادت نسبة البطالة من 15% إلى 70%، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون. كما يتحدث الكتاب عن الاغتيال "الاقتصادي" بالتصفية الجسدية للرؤساء المعارضين، فعندما فشل هو وزملاؤه في استمالة الرؤساء الوطنيين في عدد من دول أمريكا اللاتينية، تدخل فريق آخر من القراصنة لينفذوا مهامهم بالقتل والاغتيال وتدبير حوادث إسقاط الطائرات الرئاسية واغتيال المعارضين على نحو ما حدث في غواتيمالا وبنما وفنزويلا.
شافيز ومادورو .. محاولات المواجهة والإفلات
مسرح الأحداث في فنزويلا ملتهب طول الوقت، وأمريكا حاضرة في كل تفاصيله، بمختلف أشكال التدخل التي تصل إلى حد تدبير انقلابات والتهديد بالاعتداء.
تقع جمهورية فنزويلا على الساحل الشمالي لأمريكا اللاتينية وتتميز بجمال طبيعي أخاذ ومتنوع، قمم جبال الأنديز المغطاة بالثلوج في الغرب، وغابات الأمازون في الجنوب، وشواطئ الكاريبي في الشمال. وهي من بين أكثر دول أمريكا اللاتينية تمدناً.
الأهم أن فنزويلا من بين الدول التي تمتلك أكبر مخزون من النفط في العالم، فضلا عن كميات كبيرة من الفحم والحديد والذهب.
وعلى الرغم من أن البلاد تزخر بالخيرات فإن العديد من الفنزويليين يعيشون في فقر مدقع، ويقطن الكثيرون منهم في بيوت من صفيح تمتد بعضها لتصل التلال المجاورة للعاصمة، كاراكاس.
انتخب تشافيز رئيساً عام 1999 ووقع ضده أول انقلاب مدعوم أمريكياً عام 2002، وقد وقفت فيه وسائل الإعلام الرئيسية في فنزويلا، وأكثر وجوه المعارضة، موقفاً داعماً للإنقلاب العسكري .
وبعد أشهر قليلة، حاولت النخبة في فنزويلا ــــ مجدداً ــــ إسقاط النّظام عبر تحطيم الاقتصاد، ومنع تشافيز من الحصول على الموارد المالية لتنفيذ مشاريعه الاجتماعية، وبدأ إضرابٌ في شركة النفط الوطنية أوقف فعلياً انتاج النفط ــــ وسيل العائدات الى الحكومة والاقتصاد ــــ لمدة أشهر.
يقول الخبراء إن هذا الأسلوب هو الذي يستخدم حالياً مع مادورو الذي يواجه معارضة أكثر قوة وشراسة،لا تريد آفاقاً أو مواءمة معه أو خفض لمستوى الإضطرابات والعنف، ولن تقبل بأقل من الهزيمة الكاملة للحركة التشافيزية وخروجها من النّظام السّياسي.
ويقول الباحث الاقتصادي الأرجنتيني كلاوديو كاتز حول الصّراع الدائر في فنزويلا، إن السيناريو الاعتيادي لانقلابٍ من هذا النّوع -باستخدام الجيش - غير ممكنٍ في حالة فنزويلا، كما أن مادورو يملك دعماً شعبياً في وجه المعارضة، فأصبح المسار الوحيد لتنفيذ الانقلاب أن تستمر الاضطرابات وشل البلد وتخريب الاقتصاد، حتى ينهار النظام وينفض عنه مؤيدوه وقد نال منهم التعب والإفقار والفوضى.
نصير الفقراء
وكان الرئيس تشافيز الراحل في 2013، قد وصف نفسه بأنه نصير الفقراء، وأغدق ملايين الدولارات من عائدات الثروة النفطية على برامج التنمية الاجتماعية، خلال فترة حكمه التي استمرت 14 عامًا.
لكن حكومة خلفه نيكولاس مادورو واجهت تحديات كبيرة بسبب هبوط أسعار النفط الذي تزامن مع أزمة اقتصادية أبرز جوانبها نقص كبير في السلع الأساسية وارتفاع معدل التضخم.
وواجه مادورو ولا زال حملة سياسية وإعلامية شرسة تقودها الولايات المتحدة، واتهامات بإقامة علاقات سرية مع موسكو أما الركن الأضعف للنظام في كاراكاس فهو – الاقتصاد. والذي أصبح على خلفية انخفاض أسعار النفط على وشك الانهيار، ولم تعد فنزويلا قادرة على دفع الفوائد المستحقة على الديون الخارجية.
بينما تواصل الولايات المتحدة ممارسة الضغط على كاراكاس من ناحية وضخ الدعم للمعارضة من ناحية أخرى، لتغيير السلطة ولو عبر الانقلاب المباشر، ذلك الأسلوب المجرب مع الزمن، ويبدو أن هروب ليدزما إلى أسبانيا بداية فصل جديد.
كمبوديا وأمريكا ...الخيانة والتآمر على السلطة
المشهد الثاني في جنوب شرق آسيا، حيث واحدة من أكثر الدول التي تعاني من أزمات إقتصادية جمة، إضافة إلى تردي مستوى معيشة المواطنين، وقد رددت وكالات الأنباء أمس اسم كمبوديا بمناسبة تصريحات رئيس الوزراء هون سين التي هاجم فيها الولايات المتحدة الأمريكية ، وطلب وقف المساعدات التي تقدمها لبلاده، رداً على إعلان إعلان واشنطن عدم إسهامها في تمويل الانتخابات العامة التي ستجرى العام المقبل، رداً على حل حزب المعارضة.
هون سين، يحكم كمبوديا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو صاحب موقف موقف مناهض لأميركا في ظل تصاعد التوترات في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات العام المقبل، بما شمل حملة ضد منتقدين وجماعات معنية بحقوق الإنسان ووسائل إعلام مستقلة، وكان آخر التطورات اصدار المحكمة العليا الكمبودية حكماً بحل حزب الانقاذ الوطني الكمبودي بطلب من الحكومة لاتهامه بالتآمر للاستيلاء على السلطة.
هون سين كان متحمساً أمس وهو يخطب وسط مجموعة من عمال النسيج ويقول أن "قطع المساعدات الأميركية لن يقتل الحكومة لكنه سيقتل فقط بعض الأشخاص الذين يخدمون السياسات الأميركية... هون سين... يرحب ويحض الولايات المتحدة على قطع كل المساعدات ".
سبق هذه التطورات أحداث مهمة اتهمت فيها امريكا بدعم المعارضة الكمبودية، ولعب أدوار غير مرغوب فيها على الساحة السياسية الداخلية ، ففي بداية سبتمبر الماضي اعتقلت السلطات الكمبودية زعيم المعارضة كيم سوكها، رئيس "حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي"، بتهمة "الخيانة". وقالت الحكومة إنها اكتشفت وجود "مؤامرة سرية بين كيم سوكها وجماعته وأشخاص أجانب للإضرار بكمبوديا"
وقتها ردت الخارجية الأمريكية باعلان قلقها لاعتقال سوكها، وقالت أن هذا الأمر "يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة على إجراء انتخابات ذات صدقية".
وأصدرت السفارة الأمريكية في فنومبينه تحذيرا، حثت فيه المواطنين الأمريكيين على توخي الحذر وسط "تصريحات معادية للأمريكيين من جانب المسؤولين".
بعد أيام قليلة كانت المفاجأة عندما طالب رئيس وزراء كمبوديا هون سين، الولايات المتحدة الأمريكية، بسحب المتطوعين العاملين في هيئة السلام الأمريكية، الذين اعتبرهم عملاء أمريكيين متواطئين مع زعيم للمعارضة المتهم بالخيانة والتآمر للاستيلاء على السلطة.
وقال هون سين وهو يتحدث عن أمريكا "هل تخيفون الكمبوديين؟ هل تعدون لغزو كمبوديا ولهذا أبلغتم الأمريكيين أن يتوخوا الحذر؟ من الأفضل أن تسحبوا هيئة السلام".