أحلامٌ مُجهضَة وقصائدُ أخرى

فاطمة الزهراء الفيزازي – المغرب

 

على هامش الشِّعْر ،، أمَّا قبل:
عند قراءتي نصوص فاطمة الزهراء الفيزازي، أستاذة اللغة العربية لمستوى الباكالوريا بمدينة شفشاون المغربية؛ وهي التي بدأت طريق الإبداع مؤخرا قفزت إلى ذاكرتي قصة ريتشارد آدامز الذي نشر روايته الأولى "أسفل الزورق المائي" وهو في عمر 53 والقصة ليست في ظاهرها إلا (حكاية مسلية) اخترعها آدامز ليلقيها على فتياته الصغيرات قبل النوم؛ لكن عند نشرها أحدثت ضجّة وخالفت كل التوقعات وأصبحت من الروايات الأكثر مبيعا وشهرةً وباعت أكثر من مليون نسخة وتربّحت من ورائها دار "ريكس كولينجس"، إذن لا تاريخ صلاحية محدَّد للإبداع.
في نصوص المغربية فاطمة الزهراء الفيزازي مزيج وخلطة سحريّة بين الحداثة والتراث وإن كانت نصوصها تتلبّسها أردية المعاصرة من حيث الشكل؛ إنها كتابة طازجة، ونصوص بريئة لم تدخل جسدها بيكتريا التقليد والمحاكاة؛ بل نصوص طالعة من رحم الحياة تتناسل أفكارًا لا نهائية على طبوغرافية الورق، وتتناثر بقعًا ضوئية في عتمة وضبابية المشهد الثقافي الذي اختلطت فيه الأوراق وتكاثرت وانقسمت وتشظت على سطحه خلايا الفكر غير الحميد.
هنا سنقرأ لأول مرة نصوصَ امرأة مناضلة جاءت من ميدان حقوقيّة الإنسان وحقول اللغة العربية الشاسعة إلى بحار الشعر المترامية الأطراف. تكتب نصّا بكرًا لم يفضّ بكارته مغتصبي الإبداع، ومغتالي الأفكار.
جدير بالذكر التنويه هنا إلى عضوية فاطمة الزهراء الفيزازي في اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، وتشغل حاليا رئيس (هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع) بشفشاون؛ اهتماماتها حقوقية بالدرجة الأولى، ولها عدة قصائد و مقالات منشورة في مواقع كثيرة عربية ودولية.. فإلى النصوص...
(1)
[على قارعة أحلام  مجهضة]                                   
من ملكوت القهر
ينبثق هذا النَّهار
يتوشّح سوادا
ويمضي..
على غير هدى يمضي
بخطى واهنة مثقلة
وهيكل ينوء بحمله
يجر خيبة وطن..
وكومة ندوب وتجاعيد
عند ثخومه
كل الأبواب موصدة
كل الأنفاس معدودة
متعبة مجهدة
ترتل آيات الكفر
في سراديبها المقفلة
وتردد فصول حكايات مجهضة
يضيق الخناق
تضيق الأرزاق
وتدمى المعاصم والأعناق
ماعاد في القلب متسع
لزنبقة شاردة
أو سرب فراشات
ما عاد للدمع مقام
يطيب في الأحداق
وما عادت الحناجر تخشى الصدى
تناغي القطر في السماء المقفرة
تخرج الصدور عارية
تصد الريح
في جموح
في إباء
ثم تنزوي في صمت
تضمد جراح النهار المثخنة

(2)
[إلى نيزك الريف.. "سيليا الشامخة"]
تهادى أيها النور الشاخص
على الركح
من فج إلى فج
ساريا كريح تجلي
بين الحين والحين
سحائب الحزن المقيم
في سماء الروح
في الأفق
كحالم يقظ يحلم
بامتطاء براق العمر
في زمن الردة والقهر
يؤدي رقصته الأثيرة
على نغم الأغنيات
يتسرب شيئا فشيئا
من بين القضبان
وظلام الغيب
في أقبية السلطان
سنفونية للحياة أنت
تسكن مجرى الدم في الوريد
تتشكل نجيمات
في بريق العيون
بذاك نطقت شهرزاد
فارتجت لصوتها
مآذن الصمت
وزغردت عروس
مخضبة الكفّ
بأحرف النصر
إنها حكاية نيزك
يأبى الارتطام بالأرض

(3)
[طيف بلا ألوان]
على باب المدينة
يعانق الغيم
صفحات صبح حزين
يتعثر الضوء
خجولا
يبرق أحيانا
هزيلا
أسيرًا
يبحث عن شعاع يتيم
تاه منه
بين صخب وأنين
منكسرا
يجوب الطرقات
ينوء بحمل مزمن ثقيل
يرهف السمع لأنات نايات
عند شرفة بيت قديم
يتوسد الحصى والحجر
يغفو عند حدود المقصلة
لعلَّه
ينسى ذكريات..جِسام
لعلَّه
 يفيق على.. وقع أقدام
تهز الأرض هزًّا
ترسم للزهر عنوانًا
وأفقًا
تشيد للمشانق مُتحفًا
حتى تراه العين
يبسط يديه المغلولتين
يتحسس باليمنى عنقه
وباليسرى
يطرق الأبواب المشرعة..
يرخي حبل الحكايا الطويل
لعلَّه
يستطيع جَزَّه من عقاله
لعلَّه
ينسف ما تبقى
من قلاع
ويلملم
ماتبعثر بين جدران الذاكرة

(4)
[قراصنة ضوء القمر]
ككل مرة
حين
تغادر الصرخات الحناجر
حين
ترحل النجوم
في صمت
عن سماء البيادر
تضج الحياة
في زوايا المقابر
هناك
تصطف العيون
على جسور من حسرة
تقف شاخصة،
شاحبة..
تغوص ملء المقل،
في بحور من محن..
تراود نطفة فرح
آيلة منذ البدء،
قبل اكتمال
مخاض الولادة،
لخسف
 وكسوف...
دمار،
تراتيل نحيب،
نواح،
كومة أشلاء،
وأثداء ثكالى
عالقة بالعيون،
تغرز في المهج
سكاكين قهر
وغضب..
ترسل في الأرجاء،
ماتبقى من شظايا..
أرواح مكلومة
تعانق دموعا
تاهت في الأحداق..
انتفضت...
تسابق الريح السوداء
تشيع قدرا
ارتدى جبَّة
وغادر كعبته
كمجنون..
امتطى صهوة أشباه البشر
في كل مفترق..
قبيل الفجر
تجار الدماء والأشلاء
وحليب الرضع..
مغتالي البسمة
على مذبح الثغر..
قراصنة ضوء القمر.

تعليق عبر الفيس بوك