الحياة الاجتماعية في عمان (1750 ـ 1850م)

النسق الاجتماعي ومظاهر الحياة في القرية العمانية (2)

د. صالح بن عامر الخروصي – سلطنة عُمَان

 

اتسم النسق الاجتماعي في التجمعات العمرانية في عُمان ـ سواء الحضـَرية منها أو البدوية ـ بالولاء للأسرة والقبيلة، والتدين والمحافظة على القيم الإسلامية، والاستغراق في أمور الحياة المحلية، وضعف الصلة بالعالم الخارجي، والاعتماد على أساليب الاتصال الشخصي، ووجود مؤسسات تقليدية للتعليم، وانتشار ظاهرة الطب الشعبي التي كانت تمتزج أحيانا بنقص الخبرة وظهور الخرافات، كما كان نمط الإسكان متواضعا وتقليديا.
أما في الحياة العائلية فقد سادت ظاهرة الزواج المبكر، واختيار الأزواج من الأقارب (بني العمومة غالبا)، مع عدم الأخذ بمشورة الفتاة في الزواج في معظم الأحيان. والملاحظ أن مظاهر الحياة في المدن تكاد تكون متشابهة، بينما تتفاوت بعض تلك المظاهر في القرى في مجالات النشاط البشري والاقتصادي، مما ينعكس على بعض المظاهر الاجتماعية، ويعزى ذلك التفاوت إلى اختلاف البيئات والمواقع الجغرافية للقرى ، حيث يمكن التمييز أو تصنيف القرى العمانية إلى قرى : ساحلية وجبلية وصحراوية وزراعية. وفيما يلي يمكن إلقاء نظرة على أهم جوانب ومظاهر الحياة الاجتماعية في التجمعات سالفة الذكر:

أولا - أنماط  العمران و الإسكان
من أبرز مواصفات المدن العمانية وجود التحصينات الحربية فيها كالقلاع والأبراج، وإحاطتها بالأسوار العالية، والتحكم في حركة الدخول إليها والخروج منها بواسطة بوابات كبيرة تغلق عادة عند حلول الظلام وتفتح مع تباشير الصباح، وكانت بعض الحصون والقلاع تحتوي على آبار للمياة، وتزود بمؤنة كافية لفترة طويلة مما يجعلها مهيأة للصمود أطول فترة ممكنة لضربات الغزاة وحصارهم، ويسـود نمط الأبراج المستديرة إلا أنه وجدت أيضا أبراج مربعة الشكل وقد وصف الانجليزي ويلستد برجين مربعين في وسط مدينة منح أثناء زيارته لها في شتاء عام 1835، وقال إن ارتفاع كل منهما يصل إلى 170 قدما ، وهو يتعجب من تمكن البنائين من الوصول بارتفاعهما إلى ذلك الحد الشاهق في ظل تواضع أدوات ومواد البناء.
 ويطغى هذا النمط الصارم بسبب الأحوال الأمنية التي تتعرض للكثير من التوتر إما بسبب الصراعات الداخلية القبلية وإما بسبب التهديدات والغارات الأجنبية. عدا ذلك فإن البيوت الطينية هي السائدة،مع وجود الأكواخ البسيطة والخيام في أطراف المدن، ورغم تواضع مستوى غالبية البيوت إلا أنه وجدت أيضا بيوت كبيرة وأنيقة للأغنياء والوجهاء. ولا تستغل المساحات الواسعة المهيأة للبناء بل تتكدس البيوت في أحياء متجاورة، تربط بينها السكك والأزقة الضيقة، وتتلاصق البيوت تلاصقا لا نجد تفسيره إلا في الحالة الأمنية.
 ومما يلفت الانتباه وجود أماكن معدة للمدافع فوق أسطح بعض المنازل، كما تلفت الانتباه أيضا الزخارف المصنوعة من الجص الناعم (نوع من الطين المحروق) التي تزين الأبنية، وتنم في بعضها عن ذوق جمالي، وتمتاز بعض الأبواب الخشبية بزخارف ونقوش بديعة وربما تكسى بعضها بالنحاس المزخرف.
و تعتبر المساجد من أبرز المكونات العمرانية، ويتم التأنق في بنائها بما يتفق مع حرمتها كأماكن للعبادة ولكن وفق حدود الاعتدال. وتعتبر الأسواق من المرافق الاقتصادية العامة التي لا غنى عنها، وهي تفتقر للتنظيم والتخطيط بل تكون مسرحا لعرض السلع، مع وجود بعض المخازن التي تتراكم فيها البضائع بشكل لا يراعي بطبيعة الحال اشتراطات سلامة القيمة الغذائية أو السلامة العامة بلغة هذا العصر، وهذا مما لا يستغرب له إذ لم تكن البضائع بحاجة ماسة لذلك، فهي لم تزد عن أن تكون أكياس تمر أو أكياس من البذور أو كميات من الأقمشة.
غير أن بعض الأسواق خاصة في المدن الكبيرة تشهد حركة تجارية رائجة، وعلى سبيل المثال عندما زار ويلستد سوق السيب وجده عامرا بالبضائع واللحوم والفواكه والخضروات. وكان المنزل الريفي صغيرا في حجمه إذ لا يتجاوز عدد غرفه في المتوسط ثلاث أو أربع غرف ، ويلحق بالمنزل موضع لتربية الأبقار والأغنام والدواجن وهذا مما لا غنى عنه في الحياة الريفية.  ويتم تخزين تمور النخيل في موضع مخصص لهذا الغرض في منازل متوسطي الحال والأغنياء على حد سواء.
وعموما لم تتوفر في ذلك الوقت إضاءة ليلية تذكر عدا القناديل البدائية التي تستخدم لفترات محدودة جدا في المنازل، وتغط القرية في ظلام يمتد حتى الفجر، حين تبدأ الحركة من جديد في جميع أرجاء القرية، وهكذا كان من عادة المزارعين النوم مبكرا والاستيقاظ مبكرا مع مطلع الفجر. وقد اتسم الأثاث المنزلي بالبساطة كما وكيفا، إذ لا تزيد محتويات الأثاث عن مفارش من النسيج أو من سعف النخيل، وصناديق تسمى (المناديس) لحفظ الملابس والمقتنيات الشخصية، وأرائك تصنع بطرق بسيطة، والقليل من الآنية النحاسية والفخارية.

ثانيا -  نظام التعليم
كان القروي العماني حريصا على تعليم أبنائه مباديء القراءة والكتابة والحساب وتحفيظهم القرآن الكريم والمباديء الدينية الأساسية من خلال إلحاقهم بالكتاتيب، ووجدت بعض النساء اللواتي كن يعلمن الصبيان من البنين والبنات.
أما رواتب المعلمين والمعلمات فكانت تصرف من بيت المال، وفي بعض الأحيان كان الأغنياء يتبرعون من أموالهم لتلك الكتاتيب. اتخذ الكتـّاب شكل غرفة صغيرة ملحقة بأحد المساجد أو المجالس العامة، وأحيانا تحت شجرة وارفة الظلال.
ومن البديهي أن لا تتوفر إمكانيات مادية أو وسائل تعليمية ذات شأن يذكر عدا استخدام ألواح من الخشب أو الحجارة أو عظام أكتاف الإبل وأقلام تتناسب وطبيعة تلك الألواح لتدوين ما يمليه المعلم على تلاميذه من أحرف الهجاء وآيات القرآن الكريم. وكان البعض يصنع أقلاما من نبات يُسمى البوص، بينما تصنع مادة الحبر من مستخلصات نباتات أخرى. وقد أشار ويلستد أنه أثناء توجهه إلى مدينة نزوى اجتاز هو والمجموعة التي ترافقه أراضي مستنقعات يكثر فيها البوص.
وكان المنهج المتبع في التدريس يتم وفقا للسن، إذ يبدأ التلاميذ في صغر سنهم بنطق أحرف الهجاء مع التكرار، ثم بحفظ فاتحة الكتاب وقصار السور، وبعدها يتعلمون كتابة أحرف الهجاء مجردة، ثم يرسمونها مع الضبط والتشكيل، ثم يقومون بكتابتها مترابطة على شكل كلمات، ثم بحفظ الجزء الأخير(الثلاثين) من المصحف. ليأتي دور تلاوة المصحف بترتيبه المعروف ابتداء من سورة البقرة. ومما يتم تلقينهم إياه تعلم أيام الأسبوع والأشهر الهجرية، ومباديء الدين وأركانه، مع تخصيص حصة أسبوعية لتعلم الصلاة ، ثم يتدرجون في دراسة الفقه والأدب وعلوم اللغة العربية.
والملاحظ على أسلوب التعليم في الكتاتيب أنه كان يفتقر للتنظيم، وإنما تجري الأمور رتيبة أحيانا وصاخبة تارة أخرى بسبب صراخ الأطفال المتكدسين حول المعلم.

تعليق عبر الفيس بوك