زلزال سياسي مركزه الرياض يضرب بيروت.. وتوابعه تصل إيران

حساب الأرباح والخسائر في الأزمة اللبنانية.. الحرب مع إيقاف التنفيذ

 

 

◄ الحكومة تؤكد استمرار خطط طرح مزايدات النفط والغاز

◄ شبح العقوبات يخيم على الاقتصاد اللبناني.. والسيناريو القطري قد يتكرر

◄ لعبة "عض الأصابع" مستمرة.. والخاسر من يصرخ أولا!

 

لم يعد لبنان في منأى عن أزمة اقتصادية تهدد الاستثمارات المرتقبة في البلاد، لا سيما في قطاع النفط والغاز، رغم نفي الحكومة، والتي لا يعلم أحدٌ حقيقة استقالتها إلى الآن؛ فالقنبلة المدوية التي ألقاها سعد الحريري رئيس الوزراء بإعلانه استقالته من العاصمة السعودية الرياض، لا تزال آثارها باقية على ذلك القطر المثخن دائمًا بالجراح، رغم التصريحات المتناقضة من الداخل اللبناني أو الخارج الداعم لها.

الآن تحديدا.. يبدو الشرق الأوسط وكأنه ينخرط في حقبة جديدة محفوفة بالمخاطر، مع إشارات على بلوغ الخصومة التاريخية بين السعودية وإيران مرحلة المواجهة الصريحة، بديلا عن الحرب بالوكالة التي دارت رحاها على مدى السنوات الماضية؛ فلبنان لا يزال ميدانا ومسرحا للصراع بين قوى إقليمية وعالمية، بيد أن المتغير الطارئ على الأزمة تداخلها مع الأزمة في سوريا، والحرب في اليمن، والتوترات في العراق.

الرؤية - خالد أحمد

 

كلفة الخسائر المتوقعة كبيرة تفوق طاقة الخاسرين أنفسهم، وعلى رأسهم لنان؛ فهناك تلويح باستخدام أوراق ضغط اقتصادية؛ مثل: إبعاد ربع أكثر من مليون لبناني يعملون في السعودية، او إغلاق مؤسسات لبنانية كبرى عاملة هناك، أو سحب الودائع والاستثمارات السعودية واستثمارات الدول الحليفة للسعودية من لبنان، أو وقف المساعدات للمؤسسات العامة والخاصة. وهناك قناعة لدى الكثير من اللبنانيين -خاصة الساسة والاقتصاديين- بأن السعودية تخطط لتكرار السيناريو القطري؛ من خلال حشد حلفائها لفرض عقوبات اقتصادية ما لم يتم تنفيذ مطالبها! لكن على النقيض من قطر -أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، والبالغ عدد مواطنيها 300 ألف فقط- لا يملك لبنان موارد طبيعية أو مالية لمواجهة ذلك، ويستبد القلق بالناس هناك. ويعمل ما يصل إلى 400 ألف لبناني في دول الخليج، وتقدر تدفقات التحويلات النقدية على بلدهم بين سبعة وثمانية مليارات دولار سنويا، وهي مصدر حيوي للسيولة للمساعدة في الحيلولة دون انهيار الاقتصاد، ومعاونة الحكومة المثقلة بالديون على مواصلة العمل.

 

اقتصاد هش!

ما سبق يدعو للنظر بجدية في الأمر، في ظل اقتصاد لبنان الهش الذي يعاني من أزمات؛ فالحريري نفسه -وفي بيان الاستقالة الشهير- حذر من عقوبات عربية محتملة، ومن خطر يحدق بظروف  مئات الآلاف اللبنانيين الذين يعيشون في منطقة الخليج. غير أن شروط تفادي العقاب صعبة وغير واضحة؛ فالحريري قال: "على حزب الله المدعوم من إيران -والمشارك في الائتلاف الحاكم- التوقف عن التدخل في الصراعات بالمنطقة، خاصة اليمن".

فهل تنشب حرب في المنطقة مركزها لبنان؟ ومن هم أطراف هذه المعركة؟!

المعطيات المتاحة تمثلت في أن استقالة الحريري غير مسبوقة وغير مبررة بحسب الوضع السياسي الداخلي، خاصة وأن إعلانها لم يأت من لبنان، بل من السعودية، وهي الداعم السياسي للحريري وتياره، وأنها خطوة تسبق اشتعال حرب في المنطقة، خاصة وأن كثيرًا من اللبنانيين والمراقبين كذلك على قناعة أنه دفع لاتخاذ القرار، بل وأنه محتجز في الرياض ومسلوب الإرادة.

لبنان كان ولا يزال مركزاً للصراع السعودي-الإيراني؛ إذ تدعم إيران جماعة حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الفاعلة على مسرح الأحداث، والتي تسعى السعودية لإضعافها خاصة بعد ما تحقق من انتصارات لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الأراضي السورية، بدعم من حزب الله، على المعارضين المسلحين والمدعوم عدد من فصائلهم من السعودية، فضلا عن تنظيم داعش الذي تحاربه مختلف الدول بما فيهم السعودية.

 

الخروج من المأزق

وصلت أزمة الاستقالة إلى حائط سد.. الجميع في مأزق ومحاولات الخروج تبدو صعبة ومكلفة؛ فاللبنانيون عاجزون عن رفع سقف المواجهة مع الرياض بلا ضوابط، والسعوديون حتى الآن يكتفون بالتصريحات الساخنة ضد حزب الله وايران، ولا خطوة باتجاه دخول مواجهة مفتوحة معهما، خاصة وكلنا يعلم كلفة هذه الخطوة في الخليج والداخل اللبناني والمنطقة ككل.

فأي من الأطراف سيتكفل برمي النرد من جديد، على الأقل لتغيير ملامح هذا المشهد العبثي؟ 

في لبنان، اتخذت ردود أفعال بدت صلبة إلى حد كبير.. الرئيس ميشيل عون في بداية الأزمة أوضح أنه سينتظر بضعة أيام إضافية قبل أن يرفع الصوتَ في مجلس الأمن، وقال: "بناءً على المواثيق الدولية، رئيس حكومتنا محتجَز في السعودية.. يعني ذلك، إذا حدث، أن مجلس الأمن قد يتخذ قراراً بشأن تحرير الحريري".

ثم عاد يصرح لاحقا مؤكداً أنه لا يوجد ما يبرر عدم عودة رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري بعد مرور 12 يوماً، قائلا نصا: "وعليه، نعتبره محتجزا وموقوفاً في السعودية، وهو ما يخالف اتفاقية فيينا وحقوق الإنسان". وأضاف: "لا يمكننا إطالة الانتظار وخسارة الوقت؛ إذ لا يمكن إيقاف شؤون الدولة".

حسن نصر الله زعيم حزب الله، كان أكثر الأطراف وضوحاً، وفي خطابين متتاليين كال الاتهامات صراحة إلى السعودية، والتي بدت كمن يصب الزيت على النار.

وبالتوازي، ألمح مراقبون إلى الأوراق الاقتصادية "القوية" التي لدى السعودية ويمكنها استخدامها، والانطلاق في حرب دبلوماسية لعزل لبنان في الجامعة العربية على غرار عزل سوريا.

الخطوة التالية: عندما يلقي طرف بأحد أوراقه في وجه الآخر... ماذا سيحدث؟!

كثيرون يرون أن كافة ثلاثي المشهد -السعودية وإيران ولبنان سواء الحكومة أو حزب الله- بجانب باقي الاطراف الأخرى غير المباشرة، كلهم يدركون خطورة أية خطوة قد تتخذ في هذه الظروف، ويعلمون علم اليقين أنه لا توجد أية ضمانة تمنع ارتداد التدابير في وجوه أصحابها، مثلما لا يستطيع أحد أن يحدد مسارا لخط النهاية، ومن سيكون في موضع الندم.

لكن البعض يرى أن المرحلة المقبلة لن تشهد سوى "عض الأصابع"، لنرى من سيصرخ أولاً، لكن هذا في حالة تساوي المعطيات ومواطن القوة لدى الأطراف، كما أن التحفز اللبناني الشعبي والحكومي تجاه المملكة سيستمر فيما يبدو، ولن تنفع معه محاولات تهدئته، سواء بنشر صور مقابلات الحريري مع مسؤولين أو إذاعة حوار على الهواء معه يؤكد فيه هو شخصيًّا أن الأمور بخير، وأنه عائد لوطنه لا محالة، فالأغلبية تركوا تفاصيل الحوار وراحوا يركزون في ملامح وجه الحريري ونظرته المنكسرة، ولم يتركوا شيئاً يزيد من قلقلهم إلا وفحصوه خلال المقابلة .

الخطوات الأولى، إذن، اتُّخذت وقضي الأمر فيها، والحريري لا يزال في لبنان، والتصعيد السعودي تم بالفعل مع إطلاق الاتهامات، وحض رعاياها على مغادرة لبنان فورا، بجانب راعيا الكويت والإمارات.

وفي المقابل، لم يتردد نصر الله في توجيه اتهام مباشر للسعودية بأنها أعلنت الحرب على لبنان، مؤكداً أن لديه معلومات بأن السعودية طلبت من الاحتلال الإسرائيلي ضرب لبنان، وأشار إلى أن المملكة استدعت الحريري بدون معاونيه ومستشاريه ليجبر على تلاوة بيان الاستقالة، وأنها تحاول فرض رئيس حكومة جديد على رئيس الجمهورية واللبنانيين جميعا.

إذن.. ما المتوقع في الفترة المقبلة؟

ليس بعيداً على أي مراقب أن السعودية اللاعب الرئيسي في الأزمة الآن هي أول الأطراف الخاسرة من أية تطورات لإشعال الموقف أكثر، وهي الأكثر حرصاً على إبقاء الأوضاع كما هي مع السعي إلى تهدئتها؛ فلديها جبهة مفتوحة في اليمن، واستنزاف عسكري منذ سنوات كلفها مليارات إضافة للخسائر البشرية، وأزمة داخلية محتملة مع التطورات الأخيرة، أو إذا لم تكن هناك أزمات فهي مضطرة لتهدئة الأوضاع لحين اكتمال ما تم التخطيط له بشأن الأمراء ورجال الأعمال المحتجزين، وامتصاص ردود الأفعال. أما الجبهة الإيرانية، فالأمور كما هي لم تتغير، تصريحات ساخنة لا تصل إلى ما هو أبعد .

يؤكد ذلك أن المواقف الدولية بدت غير متحمسة لإشعال الأمر أكثر، بل إن وزير الخارجية الأمريكي لم يتردد في تحذير الأطراف من "استخدام لبنان ساحة لخوض صراعات بالوكالة، أو من أي سلوك يسهم في زعزعة استقرار تلك البلاد"، والقوى الدولية الكبرى لن توافق على إغراق لبنان في الفوضى، أيًّا كانت المبرّرات .

إضافة إلى أن نصر الله لم يجانبه الصواب عندما استبعد أي اعتداء إسرائيلي على لبنان التي تحلم بالفعل بيوم يختفي فيه حزب الله من على الخارطة، إلا أنها تدرك كلفة ذلك.

يمكن إضافة حقيقة أخرى إلى المشهد حول عدم استعداد إيران للتخلي عن حزب الله الذي تعتبره خطًّا إستراتيجيًّا أحمر، وأن المحاولات الرامية لعزل لبنان عن النفوذ الإيراني لن تؤتي غايتها.

 

هل تتدخل قطر؟

حاول كثير من الخبراء التقليل من تأثير المقاطعة إذا نجحت السعودية في فرضها "عربيا" كما فعلت مع قطر، والكاتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك لفت الانتباه إلى أنه في خضم هذه التطورات، فإن قطر التي حاصرتها السعودية قد تؤدي دور المنقذ للبنان، خاصة بعد أن أعلنت قبل بضعة أسابيع السماح للبنانيين بدخول البلاد دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة، ومن ثم فإن قطر قد تدخل السوق اللبنانية إذا ما قررت السعودية الانسحاب منها.

واستذكر فيسك في معرض تعليقه على الأحداث في الشرق الأوسط ما قامت به السعودية عام 1967، عندما هدّدت الرياض بطرد اللبنانيين وسحب الأموال السعودية من بيروت؛ للضغط على حكومة لبنان لوقف دعمه عدو السعودية القومي آنذاك، الرئيس المصري جمال عبدالناصر.

من سيخلف الحريري إذن؟

لو افترضنا أن الأمور ستسير كما خطَّط لها مَنْ صنعوا الأزمة، فمن يمكنه تولي المهمة الصعبة هذه؟ ووفق أي انتخابات وفي أي ظروف؟ هل سيختاره اللبنانيون أم أن الأمر سيترك للسعودية كي تكمل ترتيب الأوضاع في البيت اللبناني حسب ما تراه صحيحا؟

وسائل إعلام غربية نشرت ما ادعت أنها "تفاصيل" عن زيارات قام بها أقارب الحريري إلى الرياض وفق تعليمات، وألمحت تلك الصحف إلى أن الغرض من الزيارة كان إعلان الولاء لبهاء الحريري الشقيق الأكبر لسعد، ونشرت تكهنات تقول إن الخطة تعتمد على أن سعد سيعود لبيروت لاستكمال خطوات الاستقالة رسميًّا، ثم يتوجه الى عاصمة أوروبية ليعتزل السياسة.

وفي الشق الاقتصادي، تظهر تقارير متواترة أن سعد الحريري مديون بمبلغ يصل إلى 9 مليارات دولار للسعودية، وهو ما يعني أنه في كل الأحوال ليس بإمكانه رفض أي ترتيبات سعودية مقبلة بشأنه أو بشأن لبنان عموماً، فحريته باتت على المحك أكثر من أي وقت مضى.. الأيام وحدها كفيلة بكشف ذلك الغموض غير المسبوق على الساحة اللبنانية.

تعليق عبر الفيس بوك