اضطراب "التوحد".. عالم بريء يحاصره الغموض

مسقط - عمر العبري

ظل اضطراب طيف التوحد (Autism) عالما مغلقا يحاصره الغموض، ولا تُجمع عليه التفسيرات ولا تتعقبه الأدلة، ليس لكونه حديثَ الاكتشاف، بل لأنه "الحالة غير السوية" أو "غير المستقرة" أو "المضطربة" التي تداهم الطفل في شهوره الأولى في غفلة من الجميع.. وتكمُن صعوبة هذا الاضطراب في أنه ظل حتى الآن مجهول الأسباب.

وتُعرِّف منظمة الصحة العالمية "التوحد" بأنه اضطراب يظهر في السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، ويؤدي لعجز في التحصيل اللغوي واللعب والتواصل الاجتماعي، وهو نفسي اجتماعي يشمل مجموعة من جوانب الشخصية على شكل متلازمة، وهناك اضطرابات أخرى كثيرة تشبه التوحد؛ منها: ضعف السمع، التخلف العقلي، وصعوبات التعلم واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ونسبة ظهوره أخذه في التزايد لأسباب غامضة ترجعها بعض الدراسات الى عوامل جينية، بيولوجية، نيرولوجية، نفسية، إلى جانب إصابات المخ والشلل الدماغي والإعاقة العقلية والأسباب البينية والالتهاب الدماغي وتأثير التحصينات والتسمم بالمعادن الثقيلة منها الرصاص ونفاذية الأمعاء للكازئين والجلوتين.

لذلك؛ كان مهمًّا أن نقترب أكثر من هذه المشكلة ونتعرف على معاناة الأسر.

يقول (ع.س.ب) موظف بإحدى الوزارت الخدمية: "في البداية، كنا نجهل تفاصيل المرض، وكل معلوماتنا مصدرها البرامج الصحية التليفزيونية، لكننا الآن عرفنا عنه كل شىء؛ لأن لدينا طفلا في السابعة ولا يتكلم ولا يعرف كيف يتصرف أو يأكل أو يشرب أو يذهب إلى الحمام، فقدنا الأمل في أن يذهب إلى المدرسة كإخوته، ونتيجة لذلك أقمنا في مسقط لتأهليه في أحد المراكز الخاصة، إننا نعيش ظروفا استثنائية؛ لذا نناشد مختلف القطاعات الاهتمام بهذه الفئة، ودعمها ودعم المراكز المتخصصة، وإنشاء مركز وطني متخصص للمساعدة في تأهيلهم ليكونوا ذوي فائدة للمجتمع".

أما (أ.س.س) الذي يعمل في القطاع الخاص، فيقول: "لدي ابنة عمرها 13 عامًا، اكتشفنا أنها تعاني من اضطراب التوحد مُتأخرين، ولأننا نعيش خارج مسقط نبعثها إلى المركز الوحيد المتخصص بالولاية، وهذا المركز مكتظ بالأطفال ممن يعانون من التوحد، هؤلاء الأطفال بحاجة لرعاية خاصة مستمرة طوال اليوم، ومراكز متخصصة لديها إمكانيات كبيرة، إن أعداد أطفال التوحد في تزايد مستمر؛ لذا أرى ضرورة الاهتمام بالتشخيص المبكر والتركيز على التأهيل لهؤلاء الأطفال ودعم المراكز المتخصصة في القطاع الخاص. كما أناشد القطاع الخاص المساهمة الفعالة مع القطاع الحكومي للوصول بهؤلاء الأطفال للوضع الذي يؤهلهم للاعتماد على أنفسهم.

وتؤكد (ش.ع.ن) وهي موظفة بوزارة التربية والتعليم، أن الأسرة التي تنجب طفل توحد بحاجة ماسة للدعم المجتمعي والتسهيلات، خاصة عند مراجعة المراكز الصحية أو أماكن الترفيه، كما أن المراكز الخاصة بحاجة هي الأخرى للكثير من الدعم لتستوعب أكبر عدد ممكن من أطفال التوحد.

وتقول (م.م.د) إن التوحد يعني عزلة الطفل وعدم قدرته على التواصل مع العالم المحيط، إنه يعني حرمانه من طفولته وعجزه عن القيام بمهارات الحياة الروتينية التي يقوم بها الطفل العادي، حقيقة الأمر أننا نعاني كأسرة، وتكمن معاناتنا في كيفية استعادته من حالة العزلة التي يعيشها. وتضيف: ألحقنا الطفل بعد التشخيص بأحد المراكز الخاصة بعد حصولنا على منحة مجانية، ولكن بعض هذه المراكز ورغم الجهود التي تبذلها تعاني من الازدحام ونقص الكوادر المتخصصة والأدوات التي تساعد على التأهيل، وهي بحاجة لمزيد من الدعم.

بينما تقول مروة محمد بشير مديرة مركز "الأفق": إن المراكز تبذل قصارى جهدها لمساعدة هؤلاء الأطفال سواء الذين يأتون على نفقتهم الخاصة، أو على نفقة الحكومة، لكنها تعاني بعض المصاعب التي تقف أمام أداء رسالتها الانسانية من بينها الدعم. وتضيف بأن المراكز قادرة على أداء مهامها، لكنها بحاجة فعلية للتطوير الدائم من حيث تجديد وسائل التدريب والتأهيل. مؤكدة أن ضعف الإمكانات تقف أمام إعطاء الإخصائيين رواتب جيدة؛ مما يجعل هذه الخبرات تتوجه للخارج.

من جانبه، يقول نبيل بن در محمد البلوشي مدير مركز الابتكار للتأهيل: المركز يقدم خدمات للأطفال على النفقة الحكومية والخاصة، ووفقاً لذلك تم استقدام إخصائيين من خارج السلطنة لتأهيل هذه الفئة، غير أن المركز بحاجة مزيد من الدعم سواء الحكومي أو من القطاع الخاص أو المجتمع؛ لتغطية رواتب الإخصائيين وتكاليف إيجار مبنى المركز وسكن الإخصاىيين". وأكد البلوشي أهمية تدعيم دور مؤسسات المجتمع المدني؛ وعلى رأسها: "الجمعية العمانية للتوحد"، والتي تُعنى بالتوحد وقضاياه، وتساعد على نشر الوعي والفهم الصحيح للتوحد في المجتمع العماني.

تعليق عبر الفيس بوك