تنمية التذوق الأدبي لدى الأطفال (2-2)

د.عامر بن محمد بن عامر العيسري
 

إنّ أدب الأطفال هو النتاج الأدبي الإبداعي المعبر عن الشعور الصادق، والأفكار الجميلة المناسبة لمرحة الطفولة، ويمكن تقديمه للأطفال بأي صورة من صور التعبير الأدبي، بمراعاة خصائصهم واحتياجاتهم ومهاراتهم،  ويتمتع هذا النوع من الأدب بخصائص تبرزه عن أدب الكبار تتضمن وضوح اللغة وبعدها عن التعقيد ومناسبتها لمفردات قاموس الطفل: (اللغوي والإدراكي، والابتعاد عن التجريد واللجوء إلى المحسوس والتعبيرات الواضحة، ووضوح الأسلوب وقوته، من حيث استخدام المثيرات التي تجذب انتباه الطفل، وكذلك جمال الأسلوب وتناغم الأصوات والمعاني، وتوافقها مع الأفكار المطروحة، وتنوع الأدب المقدم وشموله للخبرات والمعارف المختلفة للحياة.

كما يتسم أدب الأطفال باستخدام الجمل القصيرة الواضحة، والقريبة من فهم الطفل وإدراكه، وتوفر الخفة في الأسلوب، بحيث تتضمن كل فقرة فكرة وابتسامة، واستخدام الصور الخيالية الملائمة، التي توسع خيال الطفل وتهذب وجدانه، واختيار الموضوعات المتوافقة مع حاجات الطفل وما ينمى لديه الروح العلمية والرغبة في الاستطلاع والاستكشاف.
تلك بعض خصائص أدب الطفل وهناك العديد من الخصائص التي ذكرها المهتمون بأدب الطفل، ولكن الخصيصة الأساسية لأدب الطفل هي أنه يكتب ومتلقيه حاضر دائما في ذهن الكاتب في كل كلمة وفكرة.

وهناك سائل عديدة يمكن أن يكون لها دورا فاعلا في تشجيع أدب الأطفال أهمها: الأسرة؛ وذلك من خلال سرد الكبار فيها للقصص، وإتاحة الفرصة للأطفال للمطالعة، وإنشاء مكتبة في البيت لهذا الغرض، واصطحاب الأطفال للمكتبات العامة ومعارض الكتاب، وشراء المجلات المناسبة لهم، وتوجيههم لاستماع البرامج الإعلامية الهادفة.

وبعد الأسرة يأتي دور رياض الأطفال والمدارس في هذا الجانب في تكوين شخصية الطفل؛ فللمعلم والمدرسة دور أساسي في تنشئة الأطفال الادبية عن طريق قص الحكايات المفيدة وتقديم الأناشيد المناسبة لهم، كما ينبغي توفير مكتبة متكاملة ومنظمة للأطفال في المدرسة تحوي صنوف الكتب العلمية والأدبية المتنوعة، كما ينبغي تشجيع الطلاب من خلال المسابقات ومسرح الأنشطة الطلابية وتشجيع المواهب وتنظيم الرحلات والزيارات للمعارض والمكتبات العامة والتوادي الثقافية.

وتلعب وسائل الإعلام دورا فاعلا؛ فللصحافة والإذاعة والتلفاز وجميع وسائل الإعلام دور مهم في تشجيع أدب الأطفال، وتقدم لهم المناسب والمفيد، وتستقبل إنتاجاتهم الأدبية وتشجعهم.
ولا ننسى دور المكتبات العامة  وخاصةً إذا قامت بدورها خير قيام حيث تتحوّل إلى مدرسة من نوع خاص تسهم بفاعلية في بناء الشخصية المتكاملة للأطفال عن طريق تكون جماعة أصدقاء المكتبة وترغيبهم في الانتماء إليها وتنظيم المسابقات والندوات والمعارض لهم. وتعد المساجد أيضا مع المكتبات من أهم مراكز الإشعاع الثقافي والمراكز التوعية للكبار والصغار على حد سواء.

ويتوفر أدب الأطفال في عدة أشكال وفنون، فمن حيث الشكل ينقسم أدب الأطفال إلى قسمين هما: الأدب المرئي والأدب المسموع؛ فالأدب المرئي؛ يشمل الكتب المصورة والمجلات والصحف الخاصة بالأطفال التي تهتم بالرسم والصورة، ويشمل أيضا الأفلام الكرتونية والبرامج المتلفزة، ووسائل التعليم المرئية. أما الأدب المسموع؛ فيدخل فيه سائر أشكال الأدب المتعددة من قصة ومسرحية وشعر بحيث تقدم محكية او منطوقة للأطفال.

أما فنون أدب الأطفال فهي لا تختلف في الشكل عن الفنون الأدبية العامة، سواء كانت قصة أو مسرحية أم سيرة ذاتية أم مقالا أم شعرا، ولكن تختلف في لغتها وأسلوبها وموضوعاتها. وللأدب القصصي أهمية كبيرة للأطفال فالتراث الشفهيّ كان من أقوى الوسائل في نقل المعارف، والحقائق، والنماذج الأدبية الراقية ومن أفضل الوسائل التعليمية لتدريس الأدب تلك التي تتم بواسطة السمع والبصر، كما إن أسلوب الحكي والقص يحقق الألفة، والعلاقة الحميمة، والمودة والثقة المتبادلة بين المتلقي، وهو هنا الطفل، ومَن في مستوى مراحل الطفولة، و«القاص» أو «الحكواتي»، إضافة إلى أن الاعتماد على أسلوب القصة للمتلقي سماعاً وفي المسرح مشاهدة بصرية حيث المبدع يلتقي فيه مباشرة ـ أمر يحقق عمقاً في الذاكرة.. بحيث لا تنسى هذه الأعمال الفنية، وتظل محفورة في وجدان وعقل المتلقي، وتمده بالمعلومات في حينها.

لهذا ينبغي في المراحل المختلفة لنمو الأطفال بناء الأدب بعامة والقصص بخاصة على مواد تعليمية ترتبط بميول التلاميذ والأطفال وخبراتهم، لأن مثل هذه المواد التعليمية تزيد من شغف الأطفال والتلاميذ بالأعمال الفنية والأدبية.

أما الشعر والأناشيد فلها تأثير خاص على الأطفال، فالطفل يشعر ويحس ويتأثر ويتفاعل مع المعطيات والمؤثرات؛ من هدهدة وأغان، يستفيد من هذه الأناشيد، لا من معانيها؛ بل من الشحنة العاطفية الوجدانية فيها، بما تحملها من الإيقاع المنظم الجميل، وشعر الأطفال لون من ألوان الأدب، بيد أنه صيغة أدبية متميزة يجد الأطفال أنفسهم من خلاله يحلقون في الخيال، ويضفي لمسات فنية على جوانب الحياة والطبيعة لتجد بها قلوب الأطفال متعة وسرورا، كما يسهم الشعر المقدم للأطفال في تربيتهم وتنشئتهم فهو يمدهم بالألفاظ والتراكيب التي تنمي ثروتهم اللغوية وتساعدهم على استخدام اللغة استخداما سليما، وينمي الجوانب الوجدانية والمشاعر والأحاسيس لديهم ، ويغرس القيم التربوية في نفوسهم.
وتحقق الأناشيد للأطفال كثيرا من الغايات التربوية واللغوية: فهي وسيلة من وسائل علاج التلاميذ الذين يغلب عليهم الخجل أو التردد في النطق، ولها تأثير قوي في إكساب التلاميذ المثل العليا والصفات السامية، وعن طريقها تتهذب لغتهم ويسمو أسلوبهم.

ومن خلال استعراض ما لشعر الطفولة من سمات خاصة وأثر جميل في نفوس الأطفال نستحضر نماذج لشعراء قدموا للأطفال نصوصا قريبة إليهم ومنها نصوص أمير الشعراء التي استهدفتها محتويات كثير من المناهج التعليمية للأطفال، ويمثل النص التالي نموذجا شعريا أثيرا للأطفال، حيث قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
لي جدةٌ ترأف بي أحنى علي من أبي
                      وكل شيء سرني تذهب فيه مذهبي
إن غضب الأهل عليَّ كلهم لم تغضب
                        مشى أبي يومًا إلي مشية المؤدب
غضبان قد هدد بالضرب وإن لم يضرب
                   فلم أجد لي منه غير جدتي من مهرب
فجعلتني خلفها أنجو بها وأختبي
                         وهي تقول لأبي  بلهجة المؤنب:
ويح له! ويح له  ذا الولد المعذب
                   ألم تكن تصنع ما يصنع إذ أنت صبي؟

فيلاحظ أن أحمد شوقي يتحدث بلسان الطفل وتقمص شخصيته مستشعرا زمن طفولته بتعبير واقعي، كما أنه استخدام شخصية الجدة المقربة دائما للأطفال، ويعد النص نموذج من الأدب الإنساني الذي يمكن ان يلامس كل طفل، كما يبرز استخدام اسلوب القصة والحوار داخل الشعر، إضافة إلى بساطة النص في ألفاظه وتراكيبه ولكنه من السهل الممتنع وموسيقى الكلمات والقافية والبحر المجزوء.

ومن هنا ينبغي اختيار الأدب على تنوع فنونه مما يتناسب مع ذوق الأطفال موضوعا وألفاظا وأسلوبا، حتى نتمكن من أن نسترعي انتباههم إليه وشغفهم به، فنحقق غاياتنا التي نصبو إليها من تنمية المهارات الادبية لديهم.

sebawaih2000@hotmail.fr

تعليق عبر الفيس بوك