لبنان ومخاطر العودة للوراء

وكأنه مكتوب على لبنان أن يظل النظام السياسي فيه متقلباً، تارة مستقرا وتبدو الطوائف جميعها متوافقة، وتارة أخرى على شفا الهاوية والجميع يتناحر، وكل ذلك على أسس طائفية وعرقية..

الشغور الرئاسي الحالي في منصب رئيس الوزراء بدا ككرة من حديد ضخمة سقطت في بئر شبه خاوية، فوقع صوت فرقعة هائل، لكنه لم يسفر حتى الآن عن انهيارات، حتى إن الرذاذ السياسي لم ينتشر، فهذه المرة لا يبدو أن الأزمة داخلية، وهو ما انعكس على تصريحات زعماء الطوائف السياسية والذين سعوا إلى التهدئة وعدم إطلاق التصريحات المثيرة للجدل أو العنف السياسي.. لكن من الواضح أن الأزمة خارجية، وتعكس حالة التوتر الإقليمي والصراعات الخفية التي تديرها أطراف في المنطقة وخارجها..

استقالة رئيس الوزراء اللبناني أعادت البلاد إلى المربع الأوَّل، وضرب الجمود الحياة السياسية هناك، فالحكومة اللبنانية شبه معطلة الآن في ظل غياب رئيس وزرائها، والوزراء يمارسون تسيير الأعمال فقط، في وقت يعاني هذا البلد من حرب في الجوار السوري وأزمة اقتصادية بعدما فقدت البلاد الكثير من عائدات السياحة نتيجة التوترات الجيوسياسية، فضلاً عن حالة الانكماش الاقتصادي التي تضرب معظم الاقتصادات.

مخاطر العودة للوراء تكمن في دخول نفق الفراغ السياسي المظلم، الأمر الذي يفتح الباب أمام تدخلات لا نهائية في الشأن اللبناني الداخلي، وهو من المؤكد ما يرفضه الشعب اللبناني، الذي ينشد دائمًا توحيد الصف الداخلي، لكن ربما في كثير من الأحيان يخذله الساسة واللاعبون الفاعلون في المعادلة الوطنية بلبنان.

التحركات الإقليمية الإيجابية تتسارع وتيرتها منذ تفجر الأزمة، وقد دخلت دول مثل مصر على خط الأزمة، حيث من المقرر أن يزور وزير خارجيتها عددا من دول المنطقة، للتباحث مع قادتها بشأن الأزمة اللبنانية، وآفاق الخروج بحل يسهم في عودة الاستقرار إلى لبنان.

المؤكد في المشهد الحالي أنَّ المواطن اللبناني بات يعاني أشد المعاناة من الحالة الزجزاجية التي تسير عليها بلاده، فما يلبث أن يخرج من مستنقع الحرب حتى يقع في بئر الفراغ الرئاسي، ثم يفيق ليسقط مرة أخرى في فراغ من نوع آخر في مجلس الوزراء.

إن لبنان يستحق أن ينعم بالاستقرار والمواطن اللبناني تحدوه الآمال في أن يرى بلاده تنهض من كبوتها، لكن ذلك لن يتحقق إلا عندما يتخذ اللبنانيون قراراتهم بأنفسهم، وأن يتوقف الجميع عن التدخل في شؤونه، والتحدث باسم مواطنيه.

تعليق عبر الفيس بوك