تنمية التذوق الأدبي لدى الأطفال (1-2)

د.عامر بن محمد بن عامر العيسري

 

يعني تذوق الشيء إدراك قيمته بطريقة تجعلنا نشعر به مباشرة من دون وسيط، ونشعر تجاهه بعاطفة وجدانية تدفعنا لتقديره والاهتمام به، والتذوق الفني هو امتلاك مهارة الإدراك لجمال الفن والأدب، ويرتبط التذوق بالفهم والتفكير مثل ارتباطه بالعاطفة والوجدان، ولهذا تكون لدينا قابلية لتذوق الشيء بشكل أفضل إذا أدركنا معناه.

ولتنمية التذوق الأدبي أهمية كبيرة فهي تكسب الفرد مهارات وقدرات ذوقية سليمة تؤثر لاحقا في تصرفاته في حياته فتجعله يعتني بتقديم وتفضيل كل ما هو جيد ويسعى للإتقان والإجادة في العمل، ويمكن من خلال تذوق الأطفال للأدب العمل على انتقالهم بين العوالم الحقيقية والوهمية من خلال التنويع في قراءة قصص واقعية أوخيالية لهم والتي ستكسبهم ذوقا سليما في ممارسة السلوك الجيد والممارسات المقبولة في المجتمع. والأدب الذي يقدم للأطفال لتنمية ذوقهم هو ذلك النتاج الفكري الذي يتلاءم مع الأطفال وخصائصهم المختلفة عن خصائص وسمات الكبار.

ويعد أدب الأطفال شكلا لغويًا من أشكال الأدب سواء أكان قصة أو شعراً أو أنشودة أو مسرحية يقدمه كاتب تقديماً مرتبطا بطبيعة الأدب ووظيفته بأسلوب يتوافق مع عالم الطفولة وحاجاتها.

ويجب أن يراعي أدب الأطفال خصائص مراحل الطفولة، وتذوق الأطفال للأدب أمر يحتاج إلى عدة أمور ينبغي أن تقوم بها الأسرة جنبا إلى جنب مع مصادر تعليم الطفل وتثقيفه مثل المدرسة والنادي ووسائل الإعلام والمسجد وغيرها من مصادر الثقافة المختلفة، وكل ذلك يهدف إلى تعزيز حب القراءة لدى الأطفال في الصغر ومساعدتهم على اختيار المحتوى المناسب؛ حيث ينصح بالبدء بالكتب والقصص المصورة وقراءة الكتب والقصص للأطفال بصوت مرتفع مع التفاعل مع الأحداث وإظهار المشاعر ومناقشة الأطفال حول القيم الجمالية في النصوص.

كما يمكن السماح للأطفال بالقراءة الحرة واختيار ما يقرؤونه والتعبير عن ذاتهم ومشاعرهم مع توفير المساعدة لهم عند الحاجة لها، وينبغي أن نكون قدوة في احترام للكتب وتذوق الأدب، كما ينصح بتعويد الأطفال على زيارة المكتبات وعارض الكتب.

وهناك عوامل عديدة يمكن أن تساعد على تنمية التذوق الأدبي للأطفال  مثل تنمية الخبرة اللغوية والفنية والخيالية للأطفال وكثرة الممارسة والقراءة للأطفال، والاستفادة من الظروف الطبيعية للتعلم والمراعية لطبيعة وخصائص الأطفال عند اختيار النصوص والكتب لهم.

وقد خلصت عدد من الدراسات الحديثة إلى أن الطفل حينما يذهب إلى الروضة، تكون لغته وعاداته اللغوية متأثر ببيئة المنزل وما حوله وما توفره له من بيئة تعلم واطلاع على القصص والكتب المناسبة لعمره، كما أكدت الدراسات أن كثيرا من رياض الأطفال تقوم بتوظيف الأشكال الأدبية المختلفة بالأسلوب التقليدي، من خلال مجموعة من الكتب المقررة لا حيدة عنها، وأن تعليم الأدب للأطفال يتم في عدد من رياض الاطفال بالدول العربية دون مراعاة للخبرة والرصيد اللغوي السابق للطفل وقاموسه اللغوي، ودون مراعاة لاهتماماته وميوله لهذا أصبح الاهتمام بأدب الأطفال وتقديم نماذج جيدة بالمناهج الدراسية ضرورة حتمية تواجه الثقافة العالمية في ظل التطورات الاجتماعية والتكنولوجية التي يشهدها العالم حديثا.

وأكدت بعض الدراسات الحديثة أن نحو نسبة كبيرة من برامج وقصص الأطفال مترجمة تأتينا من اليابان، وعدد من الدول الغربية، وكثير منها موجه لمجتمع مغاير لمجتمعنا جغرافياً، وأخلاقياً، والخطورة تكمن في أن الطفل يردد ما يشاهد، ويسمع، لأنه في طور التكوين ، لذا صار من الأهمية تفعيل دور المدرسة وباقي المؤسسات التربوية في تغيير صورة الطفل النمطية، إلى الطفل القارئ، مما يتطلب رسم سياسة عامة لإنتاج أدب أطفال مقروء، ومرئي شامل لكل مراحل الطفولة، ينطلق من حاجات كل مرحلة عمرية، وينبغي أن تصاغ من خلال تلك السياسة العامة خطة استراتيجية محكمة تضمن إيجاد بيئة مساعدة لاكتشاف الملكات الإبداعية عند الأطفال، وتضعها على المسار المفضي لنموها، ولا تغفل تفعيل دور الأسرة، والمدرسة في تنمية إبداع الطفل وقدراته ومهاراته من خلال اتباع خطوات ممنهجة لتقريب الطفل من هذا الأدب بطواعية، ومحبة دون إكراه، ويصاحب ذلك كله سعي حثيث لتفعيل دور سائل الإعلام باعتبارها من القنوات المهمة في تنشئة الطفل، وخاصة الوسائل المقروءة كالصحف، والمجلات، والكتب الموجهة للطفل، مما يستدعي زيادة عدد المطبوعات من الدوريات والمجلات الموجهة للأطفال، والإعلان عن موعد صدورها في التلفاز، وتوزيعها على المدارس، ودور الحضانة ورياض الأطفال، والتأكيد على إدارات المدارس بضرورة الاستفادة من المكتبة المدرسية.

وتبرز في هذا الجانب أيضا أهمية الندوات التي تتناول أدب الطفل والتي توجه للفئات المختلفة في المجتمع وتعمل على معالجة ضيق زاوية النظر لدى الأهل، والمربين تجاه أدب الطفل، كونهم يعوّلون على الجانب التعليمي المتصل بالحفظ، وإتقان اللغة أكثر من تعويلهم على جانب تربية الذائقة، وصقل القدرات، واكتساب التكيف مع المحيط، والاستفادة من تجارب الآخرين، والاعتماد على الذات في حل المشكلات ، كما تقوم بتفعيل دور المعنيين بالكتابة للأطفال من أدباء، ورسامين، ومعدي برامج موجهة للأطفال وتفعيل أدوار مؤسسات ثقافة الطفل الحكومية والأهلية، واهتمامها بالإصدارات الموجهة للطفل، واهتماماتها بما ينشر من كتب، ودوريات.

sebawaih2000@hotmail.fr

تعليق عبر الفيس بوك