الدروس الخصوصية.. ترف العلم وتلف المال (3)

عيسى بن علي الرواحي

من المؤسف جدًا أن ينطبق في مجتمعنا أيضًا ما أثبتته بعض التقارير الصحفية لبعض البلدان العربية في أن توفير الدروس الخصوصية للأبناء قد يأتي من باب المباهاة والتفاخر من قِبل الآباء، والركون للترفيه الزائد للأبناء، وهذا قد لمسته في أكثر من جلسة نقاش في هذا الصدد مع بعض أولياء الأمور، وفوق ذلك يكيلون التهم للمدرسين بالمدارس؛ لذا فلا غرابة إن ساء خلق الطالب أمام معلميه ما دام قدوته في البيت على هذه الشاكلة!

ومما قد يواجهه طلبة الدروس الخصوصية من إشكالات مُعقدة في فهمهم للمواد العلمية هو اختلاف طرق الشرح وتباين الأساليب والازدواجية في عرض المسائل العملية والمعادلات الرياضية وما يقوم مقامها بين معلم المادة في المدرسة الحكومية ومعلم الدروس الخصوصية، وقد يصل الاختلاف ليس في طريقة العرض بل حتى في نتائج الحل في بعض الأحيان مما سيُواجه الطالب حينها ارتباكا في الفهم، وتشتيتا في الذهن لبعض الدروس العلمية، فلا يصلح في حقيقة الأمر أن يقوم بمهمة التدريس للمواد العلمية في ذات الوقت أكثر من معلم حسب وجهة نظري.

وقد يتعمد بعض المدرسين الخصوصيين إلى خلق الازدواجية في فهم المسائل العلمية في نفس الطالب، وإعطائه مسائل ليس بحاجة إليها في ذلك الوقت؛ وذلك من أجل إرسال رسائل بصورة غير مباشرة إلى الطالب تشعره بتقصير معلمه بالمدرسة؛ فيحقق المعلم الخصوصي بذلك مبتغاه وهو نيل ثقة الطالب به، وزعزعة ثقته بمعلمه بالمدرسة.

 

أعرف طالباً واجه إشكالا في فهم المسائل العلمية من معلمه أثناء الحصص الدراسية، لكنه أصر ألا يعتمد إلا على ذلك المعلم، وأن يجتهد كثيرا في المنزل بحل المسائل أولا بأول، ومراجعتها باستمرار، فكان أن حقق درجة 97 في تلك المادة.

وإلى جانب ما أسلفت ذكره فإنَّ الدروس الخصوصية مهدرة للوقت الثمين الذي ينبغي للطالب أن يكون أكثر حرصا على استغلاله، كما أنها تربك نظام الطالب في مذاكرته وجدوله اليومي، فالدرس الخصوصي في أغلب الأحيان لا يحدد وقته الطالب بل يعتمد على فراغ المعلم، وليتحمل الطالب أي توقيت، وفي حال كان الدرس الخصوصي في بيت أحد أصدقائه فانظر متى يخرج الطالب من منزله؟! ومتى يعود إليه من أجل ساعة تدريسية واحدة؟! ناهيك عما يكون لتلك التجمعات في بعض الأحيان من آثار غير محمودة على الأبناء.

لا يخفى على كثير منا التذمر الكبير الذي نجده عند أغلب أبنائنا الطلاب من الحصتين السابعة والثامنة في اليوم الدراسي حيث التعب والإرهاق أو السأم الذي يبدو واضحًا عليهم، وهذا التذمر قد نجده عند بعض المُعلمين من تدريس الحصص الأخيرة في اليوم الدراسي، وهناك مطالبات من بعض شرائح المجتمع في تخفيف الحصص الدراسية لما تشكله من إرهاق على الطالب، وبالمقابل نجد من أبنائنا الطلاب من يأتيه المدرس الخصوصي إلى منزله أو منزل أحد أقرانه في ساعات الظهيرة ووقت القيلولة؛ لأنَّ جدول ذلك المعلم مزحوما جدا، وقد يأتيه الدور في ساعات الليل المتأخرة، فأي تناقض هذا؟ وأي فائدة تتحقق من ذلك؟!

ومن التناقض الغريب والشيء المريب في واقع بعض أبنائنا الطلاب في رغبتهم الجامحة للدروس الخصوصية ليس لأجل المصلحة أكثر من كونها للمباهاة أو مضيعة الوقت أو لقاء الأقران بعضهم بعضا خارج الجو المدرسي، وذلك ما نلمسه من عزوفهم عن حضور دروس التقوية المسائية التي تبادر بها بعض المدارس ويقوم عليها بعض المعلمين تطوعا. تواصل معي مدرس لإحدى المواد العلمية ذات مرة يخبرني بأنه اتفق مع طلابه على إعطائهم حصص تقوية صباح يوم السبت في مدرستهم بعد التنسيق مع إدارة المدرسة، فتفاجأ بعدم حضورهم عدا طالبين أو ثلاثة. هذا الموقف ذكرني بمبادرة إحدى مدارس القرآن الكريم في إحدى الولايات بتنظيم دروس تقوية مجانا كل يوم سبت لطلبة الثاني عشر في المواد العلمية وفق خطة مرسومة وجدول منظم، وتم تعميم الفكرة على عدة مدارس في أكثر من ولاية، لكنَّ الحضور كان ضئيلا جدًا مما اضطر إدارة المدرسة إلى إلغاء الفكرة في العام التالي. أقول لو كان ذلك مقابل رسوم تدفع أو أوقات تهدر لكانت أحب إلى بعض طلابنا!

ومما يحز في النفس أن تكسر بعض الأسر حواجز الحشمة والحياء والأعراف في شأن الدروس الخصوصية فيجلبون لبناتهم مدرسين خصوصين داخل منازلهم أو قد تذهب البنت إلى بيت زميلاتها لهذا الغرض، ولا يخفى على أحد أن خصوصية الدروس الخصوصية في طريقة عرضها تختلف عن الحصص الدراسية بالمدارس أو المحاضرات بالكليات والجامعات، وقد يخلو الأمر من المتابعة الجادة، أو يتم إعطاء الثقة التامة للطرفين، ولسنا بحاجة إلى كشف الجراح المؤلمة من شواهد حدثت جراء هذا التهاون المقيت... وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.