مع المتقاعدين..!

 

سيف بن سالم المعمري

المتقاعدون هم أولئك الموظفين الذين أكملوا سنوات خدمتهم بالعمل، أو أكملوا الحد الأقصى لأعمارهم في العمل، أو الذين حصلوا على التقاعد لأسباب صحية، وقد قضوا جميعهم أثمن فترة زمنية من عمرهم، وتعد أكثرها حماسًا للعمل والإنتاج، وتتعاقب الأجيال، وكل جيل يحكي لمن أتى ولمن سيأتي تلك السنوات التي قضاها في العمل بحلوها ومرها، لكنها تبقى دروسا وخبرات تستحق أن تُدون، وألا تنفك عرى التواصل بين المؤسسة وموظفيها المتقاعدين.

إن وصول الموظف إلى مرحلة التقاعد لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء فترة عطائه، فكل إنسان يستطيع أن يوقد في همته الحماس ومواصلة العطاء وتقديم كل ما يستطيع من خبرات ومهارات اكتسبها خلال فترة الخدمة، لكن تلك الهمم تتطلب وقفة من قبل جميع المؤسسات المدنية في الجهاز الإداري للدولة، لمد جسر التواصل مع موظفيهم المتقاعدين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، وإشراكهم في فعاليات ومناشط المؤسسة، وكذلك تخصيص يوم سنوي لهم؛ ليهمس في آذانهم بلمسة وفاء وتقدير على كل ما قدموه للمؤسسة من عطاء، وما أسهموا به من إنجازات تحققت للوطن في جميع المجالات.

إن الخبرات المهنية والوظيفية التي يمتلكها الموظفون المتقاعدون لو لم تجد من يحتضنها فستضيع مع مرور الأيام، وإن الالتفات إلى تلك الخبرات وتلك الطاقات يدفع بعجلة الإنتاج في مؤسسات الدولة، فكم من أولئك المتقاعدين تركوا أعمالهم وهم في ذروة العطاء ورحلة العمل، فضلاً عن أنهم بحاجة إلى مظلة مؤسسية تحتضنهم وتسمع رؤاهم وتطلعاتهم، واحتياجاتهم، وتشركهم في خدمة مجتمعهم، ولن يتأتى ذلك إلا بتأسيس جمعية للمتقاعدين، أسوة بسائر مؤسسات المجتمع المدني.

إنّ إغفال فئة المتقاعدين يتعدى أثره هدر الطاقات الوطنية المسلحة بالمعرفة والخبرة، إلى أن تصبح تلك الفئة عالة على المجتمع، وقد طوقتها الأمراض المزمنة، وتضاعف مرات ترددهم على المؤسسات الصحية، نتيجة التغيير الجذري لنشاطهم الذهني والحركي، رغم أن الكثير من المتقاعدين لديه الدافعية لخدمة مؤسسته ومجتمعه، ولكن لم يجدوا من يمنحهم الفرصة.

وفي السلطنة هناك جهود متواصلة من قبل المؤسسات العسكرية والأمنية للاهتمام بالمتقاعدين ورعايتهم وإشراكهم في مختلف المناسبات الوطنية والاجتماعية، بل إن تخصيص يوم السابع من ديسمبر من كل عام يؤكد الإيمان واليقين من قبل تلك المؤسسات بأهمية الالتفات إلى كل فرد أفنى زهرة شبابه في مختلف ثغور الوطن للذود عن حياضه، ورفع رايته عالية خفاقة.

وفي المقابل نجد أن هناك جهودا خجولة من مؤسسات الجهاز الإداري للدولة لمد جسور التواصل مع المتقاعدين في مؤسساتهم، بل إنه منذ انتهاء فترة خدمتهم في المؤسسة يصبحون بالنسبة للمؤسسة جزءا من الماضي، وإن المبادرات الفردية من قبل بعض المؤسسات لا تزال بحاجة إلى تنظيم وجدية أكثر.

ومن الأهمية البالغة أن يشرك المتقاعدون في كل ما يتعلق بهذه الفئة، وأن إشراكهم في المراجعات المستمرة للأنظمة والقوانين التقاعدية بجميع مفاصلها، فانتهاء فترة خدمة الموظف وإحالته للتقاعد يجب ألا يكون سببا لإهماله وتجاهل أفكاره ومطالبه، فليس كل متقاعد خرج من مؤسسته وهو مكتفيا ماديا مقابل الراتب التقاعدي، وليس من الإنصاف أن يتم استثناء الرواتب التقاعدية من إعادة هيكلتها بما يتناغم مع مستجدات الحياة ومصاعبها.

إنَّ المهارات المعرفية والخبرات العملية للمتقاعدين هو أرشيف ثمين يتطلب أن تلتفت إليه جميع المؤسسات، وأن يتم تحفيزهم لمواصلة العطاء خدمة لوطنهم ومجتمعهم، على أن ذلك يتطلب تضافر جهود الجميع مؤسسات وأفراد من أجل إسداء الشكر والتقدير لكل المتقاعدين الذي لايزال الكثير منهم، حريصون على مواصلة العطاء لهذا الوطن العزيز.

 فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،

 

    

Saif5900@gmail.com