إدارة الأزمات.. مقاربات متعددة (3)

د. عيسى الصوافيّ - سلطنة عُمان
دكتوراه في إدارة الأزمات


إن تعدد حالات التأزم داخل الدولة تبدو للعيان بشكل يغلب وجهاً من الأوجه على الآخرين(...) هكذا نستطيع نتبين من الأزمات ما يقبل أن يقارب في جانب الموضوع ومنها ما يمكن أن يقارب من جانب السبب أو الزمن أو المكان أو غيرها.
أولا - الجانب الموضوعي: ويمكن أن نرصده في الصور التالية:
(1) الأزمات السياسية: وهي تلك التي يمكن أن تتجلى في الحالات المرتبطة بالتنافس السياسي بين الفاعلين السياسيين من داخل الدولة أو الفاعلين السياسيين خارج الدولة، فتبرز الأوضاع المتعلقة بالتهديد الوشيك إما للكيان الواحد نتيجة قرارات أو مباردات سياسية أو إجراءات قانونية تخل بالتوازن داخل الدولة وإما بين عدة دول في النظام الجهوي أو الإقليمي أو الدولية.

(2) الأزمات الاقتصادية: من الطبيعي ان يؤثر الجانب الاقتصادي ويمتد إلى جوانب أخرى من الأزمات التي تمس حياة المجموعة كالجانب السياسي أو الإجتماعي، إلا أنها تقوم كأزمة متميزة بذاتها عندما تكتسي طابعاً رئيسياً يسفر عن انقطاع أو خلل في اشعال المنظومة الاقتصادية، بما يهدد انتظام الأداء سواء على الصعيد الماكرو اقتصادي أو الميكرو اقتصادي، كما كان الشأن في الأزمة الاقتصادية المالية (2008) التي اعتبرها المختصون بكونها الحالة الأسوأ التي أثرت سلباً على السلامة المالية للدول مع التداعيات التي كانت لها على الصعيد الاجتماعي من مظاهرات للهيئات النقابية وغيرها.

(3) الأزمات الاجتماعية: وتتمثل في الاضطرابات الناجمة بشكل مستعجل وليد التنافس أو التعاون أو الصراع، والتي تنذر بحدوث قلاقل اجتماعية تهدد توازن الدولة كأزمات الحراك الاجتماعي أو الاختلالات الديمغرافية الناجمة عن نزوحات الأهالي بين أرجاء البلاد داخلياً أو تلك القادمة من دول مجاورة.
كما أنها تقوم أيضاً جراء انتشار الشعور لدى الأفراد بعدم الاهتمام بمصيرهم من طرف مؤسسات الدولة وعدم الاكتراث لما يمس مآلهم فتصدر عنهم سلوكيات جماعية احتجاجية تؤدي إلى المسّ بسلامة واستقرار المجتمع، كمثال مظاهرات التنظيمات النقابية بفرنسا حاليا طيلة أشهر أبريل ومايو ويونيه من سنة 2016م، احتجاجاً على مشروع قانون الشغل الذي طرح حينئذ للنقاش أمام البرلمان الفرنسي.

(4) الأزمات الأمنية: وتتمثل في الحالة التي تستنفر كل هيئات الأمن الوطني وكافة الأجهزة الأمنية لاحتواء الاضطراب بأقل الخسائر الممكنة وفي أقرب وقت، نظراً لحالة الهلع التي توجدها لدى المواطنين كافة. وتقوم إما عبر أعمال إرهابية ذات نطاق داخلي يمس الأمن كالعمليات الإجرامية المتسلسلة، أو التمرد الداخلي على السلطات الشرعية، أو القيام بعمليات احتجاز الرهائن، وقد تكون الأعمال الإرهابية ذات نطاق خارجي بإيعاز من دول عبر منظمة جهوية، أو إقليمية أو دولية. وهذه الأعمال أصبحت حالياً تحل محل الحرب التقليدية وتبرز إما من خلال عمليات اغتيال منظمة أو أعمال تخريبية كزرع عبوات ناسفة بمنشآت حيوية أو ألغام بطرق رئيسة أو اختطاف الطائرات.. وما إلى ذلك من الأعمال التي تستنفر الهيئات الأمنية وتوجد توتراً لدى المواطنين.

ثانيا - الجانب التحريضي: هذه الزاوية لها عدة أوجه تتجلى في المصدر أو الغاية:
بالنسبة للمصدر، إن الأزمة تصادفنا عندما نجد أنفسنا أمام تفجيرات تقع في دولة (ما9 لاعتبارات لها جذورها في دولة أخرى، كما نكون كذلك أمام حالة الأزمة عندما يحدث ما يثير التوتر لدى هيئات أو مواطني بلد معين انطلاقاً من عوامل ذهبت إلى ذلك استجابة لأسباب تحريضية ذات بعد سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي (...).
وتقدم الانفجارات التي تحصل في لبنان بترتيب من القطر السوري سواء من جانب النظام السوري في حالة ميشيل سماحة الوزير اللبناني الذي ضبط قادما من الحدود السورية محملاً بالمتفجرات لخلق اضطراب وأزمة بالتراب اللبناني أو حالة السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة المرتبة من داعش من التراب السوري كذلك قصد إحراج حزب الله اللبناني الذي يحارب في سوريا إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد.

أمَّا بالنسبة للغاية: يمكن التمييز إذا ما اعتمدنا منطلق الغاية، بين الأزمات التي تأتي دون عمد كتلك التي تندلع نتيجة سوء التقدير أو سوء العلم أو الإهمال أو الخطأ، وبين التي تأتي مقصودة، تكمن وراءها الرغبة في الإيذاء كالتآمر والتخريب أو الرغبة في الاختلاص والسرقة والنهب. وتبقى أيضا في الأخير تلك التي لا دخل لتقدير أو إرادة الإنسان فيها، كالأزمات الناجمة عن الكوارث أو الفيضانات أو الأوبئة أو الزلازل (..)

ثالثا - الجانب (الجغرافيّ)/ المكان:
نستطيع أن نعتمد هنا المنطلق الذي يحتضن الأزمة، فتكون إما بريّة تدور أحداثها على تراب الدولة، وإما بحريّة مائية تنشأ من جراء حشود السفن البحرية للقيام بأعمال عدائية أو خلق حصار.
كما يمكن أن ننطلق من الموقع الذي تظهر فيه الأزمة فتكون إما داخله وهي أخطر الأزمات حيث تأتي على مستوى الهياكل والبنيات أو على صعيد المجتمع في منطقة معينة أو على الصعيد الداخلي بأكمله فتصبح أزمة قومية.
وإما أزمة خارجية وتتوسع إلى النظام الإقليمي فتؤدي إلى خلق اضطرابات تمس دولاً مجاورة كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الخليج العربي التي تعرف تداعيات الأزمات العراقية والسورية واليمنية.
وقد حدثت الأزمات ذات الطابع الخارجي لتتداخل فيها تأثيرات دول خارج المنظومة الإقليمية كما هو الحال في أحداث 11 سبتمبر 2011 التي امتدت مضاعفاتها من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق وأفغانستان... وغيرها.

رابعا ــ جانب الزمن:
ومنها ما يثور دون مقدمات أو إشارات مسبقة بحيث تأتي طفرة واحدة، كاندلاع الانفجار الاجتماعيّ والذي يفاجئ بقوته تقديرات صانعي القرار (...)، مثلما حصل في تونس بمدينة سيدي بوزيد، حيث تفاجأت قيادات الرئيس زين العابدين بنعلي بالعاصمة تونس من حدة درجة الاحتقان والاحتجاج.

كما قد تكون الأزمات من زاوية الزمن، أزمات متكررة ومستمرة مثلما هو الشأن في ليبيا و سوريا التي أخذت وقتاً مستمراً طويلاً أدى إلى تدهور أسس الدولة وبنياتها.
ثم هناك كذلك الأزمات التي تكون عشوائية الوقوع ولا ترتبط بأسباب دورية كالإعصار الذي ضرب جنوب شرق الجزيرة العربية المسمى إعصار جونو 2007م أو عندما يتم سقوط طائرة أو اختطافها (...) أو حدوث أعطاب في بواخر حاملة للبترول، فتطفو البحيرات البترولية على سواحل الدولة وتخلق أزمات بيئية غير منتظرة.
وعلى أية حال، فكيفما اختلفت أوجه الأزمات وخصائصها لابد لكي يرقى أي حادث إلى مرتبة الأزمة يجب أن تتوفر له مقومات تستطيع أن تصنفه في خانة الأزمات. وهذا سيكون موضوع مقالتنا القادمة..
يتبع....

تعليق عبر الفيس بوك