لا تحرموا أطفالكم من سماع الموسيقى (2-2)

عزيزة الطائي

استكمالا لما تم طرحه في الجزء الأول من هذا المقال، نواصل ونوضح أنه على أساس العلاقة الوثيقة التي تربط بين اللغة والموسيقى نطرح تساؤلاتنا التالية:

- ما الخصائص المشتركة بين أصوات اللغة وإيقاعات الموسيقى؟

- كيف يمكن للموسيقى أنْ تساعد الطفل في أن يتعلم لغته القومية، ويحبها، وينميها، ويعبر بها عن نفسه؟

إن علاقة اللغة بالموسيقى علاقة متبادلة. فالموسيقى موجودة في اللغة خاصة في الشعر. كما أن اللغة موجودة في الموسيقى، خاصة في الأناشيد المغناة التي يتحقق فيها اللقاء بين اللغة والموسيقى، وعن طريق هذا التمازج نستطيع أنْ نجمع بين إثارة تعليم الطفل، وحماسته وإمتاعه. فتأثير الموسيقى على الطفل كجزء أساسي وطبيعي في يومه هو توجه عالم اليوم، إضافة إلى اعتبار أنْ تعلم الموسيقى لا يقل عن تعلم دلالات اللغة ورموز الرياضيات، وهذا يتطلب منا العمل على تغيير المفهوم الخاطئ والشائع عند تعاطينا مع الموسيقى.

لذلك؛ علينا فتح آفاق الطفل بسماع الموسيقى الجيدة منذ الصغر، كما علينا تنمية ذائقته بتعريضه لأنواع شتى من الموسيقى الشرقية والغربية، فالطفل قادر على تمييز الأصوات ومتى اعتاد على سماعها لن يرضى بمستوى آخر منها، وعلينا ألا نحصره بموسيقى الأطفال فقط، حتى لا نقلل من قدراته على الاستماع، وإمكانيات وعيه السمعي.

ولعل من أهم الأمور التي تتطلب منا الوعي عند إمتاع الطفل بسماع الموسيقى هو توجيه الطفل إلى نغمة الأغنية أكثر من إيقاعها، ويمكن ملاحظة استجابته عندما يمشي مع إيقاع الموسيقى، أو من خلال تصفيقه أثناء سماع موسيقى ما. وهذا يتطلب منا إيصال مفاهيم إيقاعية معينة عند تعليمه الإنصات للموسيقى، مثل الفارق بين مفهوم الصوت الشديد والهادئ، والنبرة الحادة واللينة، والنغمة السريعة والبطيئة.

كما تساعد الموسيقى على تحسين صورة الذات والوعي بالجسد، بما ينعكس إيجابيا في زيادة مهارات الاتصال، وزيادة القدرة على استخدام الطاقة بشكل هادف، والإقلال من السلوكيات غير السليمة للأطفال الذين لديهم مشكلات سلوكية خاصة الذين لديهم ضعف الانتباه والحركة الزائدة فتعمل الموسيقى على تهدئة مشاعرهم وانفعالاتهم، إضافة إلى زيادة القدرة على الاستقلالية والتوجيه الذاتي، وتنمية ملكتهم على الإبداع والتخيل، وعلى تنشيط المخ في جانبه الأيمن خاصة، وعلى زيادة القدرات الذهنية.

ويرى الباحثون في صعوبات التعلم أن الموسيقى لها تأثير كبير على الطفل المعاق، لذلك لا بد أنْ يستمع لموسيقى تنسجم مع طبيعة مشكلته ومع الغرض العلاجي الذي نريد التوصل إليه؛ فإذا كان الطفل ممن يعانون من الحركة الزائدة، أو لديه مشكلات عدوانية فالموسيقى الهادئة مناسبة له من أجل تهدئته وإمكانية تقديم الهدف التعليمي أو التدريبي له مباشرة بعد الجلسة العلاجية بالموسيقى. علماً بأن الكثير من أطفال متلازمة داون يحبون الموسيقى؛ الأمر الذي يمكن استخدامه من أجل معالجة الكثير من الجوانب التعليمية والتفريغ النفسي والمتعة الترفيهية، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الموسيقى تساعد الأطفال المصابين بصعوبات النطق على الكلام.

 إن الموسيقى ذائقة حسية يتعين مساعدة الطفل على خوضها بحواسه المختلفة، وليس بالضرورة أنْ يمتهن الإنسان الفنون، إلا أن وجود الفنون في حياته تجعل منه إنسانًا متفاعلًا إيجابيًا لديه فهم أفضل للحياة والناس، ويصبح بذلك شخصًا يعمل ويتصرف بقلبه وإحساسه مثلما يعمل بعقله ويديه، وبذلك يمكن أنْ يكون طبيبًا "متذوقًا"، ومعلمًا "متذوقًا"، ومهندسًا "متذوقًا"، ومحاميًا "متذوقًا"، وبالمعنى المجرد "إنسانا متذوقًا فنانًا".

إن المسألة الجوهرية في القدرة الموسيقية عند الطفل هي الحساسية لبُنى الموسيقى النغمية والسلم والانسجام والإيقاع. وتسمح هذه الحساسية عند الطفل على تذكر الموسيقى وأدائها بسهولة من خلال أنشودة هادفة، أو لعبة تعليمية.

وهنا، دعوة لأنْ نولي الموسيقى أهمية في حياتنا ومناهجنا؛ حتى نستطيع أنْ نرقى بذائقة الطفل اللغوية؛ لما للموسيقى من تأثير يسهم في صقل مهاراته المعنوية والحسية.