"الإعلاميّون" ومنتدى التواصل الحكومي الأول!

هلال بن سالم الزيدي

في ذلك الحرم المُتمدد يوماً بعد يوم في مساحته، والمتذبذب في آفاقه الفكرية من حيث تصنيفاته العالمية والتي تشهد تراجعاً في جودة التعليم بحسب ما يراه المختصون ويستشعره المحيطون به في قوة مخرجاته.. إلا أنه يبقى مهبط المعرفة التي تُغذي الفكر وترفد "الكيان" بمختلف الكفاءات مهما كانت درجة تفوقها أو نبوغها ـ ففي ذلك الحرم  وبين جنباته تشكلت الكثير من الآيدولوجيات..

وفي قاعاته احتدم الجدل في قضايا تصنف بالمصيرية أكثر من أن تكون جدلية، لذلك تنوعت أجياله وتناقضت النتائج التي أُريد لها رسم السياسات والخطط والإستراتيجيات .. وتناقصت مؤشرات المعرفة من حيث الاهتمام بفلذات أكباده.. هناك في ذلك الحرم تأبط الطالب كتبه ومفكراته، فرفع رأسه واشتد ساعده.. وعلت هامته حتى حانت ساعة الرحيل، فحمل زاده المعرفي ليسكبه "مشروعات" وعملا في مختلف المؤسسات ليرتقي بوطنه.. لكنه ما لبث وذاب في بيروقراطيات عقيمة.. وأفكار سطحية.. وتهميشات مقيتة.. ولوبيات متمترسة.. إلا أنه اجتهد وسعى لتغيير الصور النمطية التي قلصت انطلاق مخرجات الجامعة في صنوف شتى.

ومع تكاثر الصعوبات والتحديات واتساع مساحة الفجوات بين الأسس العلمية وبين الممارسة السطحية إلا أن الممارسة السطحية التي أنشأت لسد فراغات كانت هي الأقرب والمتسيد بحكم قوة نفوذ المسيطر الذي تقمص وانتهج سياسة الإقصاء حتى لا يهتز عرشه ويصبح في خبر كان.. فجل تقاريره المرفوعة ناقصة ومنتقصة لحق حامل الشعلة وصاحب المعرفة العلمية والعملية.. لأن مؤشراته لا تقيس عمق التعاطي في مكونات الرسالة أو نوعية فنونها، وإنما كانت تقاس بحجم الانحناء الذي يقدم له في أول الصباح، وتسويف العمل، والتردد على مكتبه في صيغة الترجي والتذلل، وأشياء أخرى كثيرة، وهنا يعلو صوته فقط أي: يصل إلى أصحاب السدنة الكبرى.. فتلك قضية من قضايا دوائر الإعلام الحكومية والخاصة.

إنَّ البحث في قضايا الإعلام ومآلته أصابها التهميش والانحراف حتى غدت "ممسوخة" بسبب عدم وجود الأطر الدقيقة في توصيفها على أرض الواقع، لأن الإعلام بجميع وسائله لا يحتاج إلى متخصصين وإنما "هواة" يفرقون بين تمازج ألوان الطيف ويحققون شهرة ضائعة أو حضورا مجتمعيا يكمل نواقص شخوصهم، وكان مؤشر الضجيج هو أداة القياس التي يعتمد عليها، لذلك لم تخضع قضايا الإعلام لمؤشرات قياس الأداء ولم يجد هذا القطاع الجهة التي تهتم بالمزاوجة بين مرتكزاته على أرض الواقع وبين مُعطياته العلمية، ولم تفرض عليه رقابة في تكويناته الإدارية. ولا يوجد مرجع موحد يمكن اللجوء إليه إذا شاب الرسالة انحراف يودي بالمجتمع إلى حضيض التشرذم وينهك الأجيال في فهم ما يحيط بهم، لذلك ضاعت هويته وكثرت الاجتهادات فيه، وبالتالي لم يكن "الإعلاميون" حلقة قوية وإنما خطا متقطعا على هامش جميع المؤسسات الخدمية فيتمثل عملهم في تغطية خبرية لحلقة عمل أو لسفر "المسؤول" أو عودته بالسلامة أو تخليص إقامة الوافد أو تكريس صورة نمطية عبر "تغريدة" فاقدة لوعيها اللغوي ومعلبة في مياه آسنة، أو صورة تبرز محاسن المسؤول بحلته البهية، لدرجة أنهم لم يفرقوا ما بين "الإعلام" و"الأعلام".

بارقة الأمل التي ربما ستضع بعض النقاط على الحروف في صورها الشكلية تتمثل في منتدى التواصل الحكومي "الأول" الذي جاء بعد 48 عامًا من مسيرة إعلامية لم نستطع تقييمها، فبعد تلك المسيرة لا زلنا في المنتدى الأول، لذلك علينا أن نتنفس الصعداء بعد اقتناع متخذي القرار بأهمية أن يكون هناك منتدى يعنى بالتواصل الحكومي على مستوى الإعلام، ويناقش مختلف القضايا التي وقفت وتقف حجرة عثرة في تطوير هذا النوع من الإعلام الذي سماه الكثيرون"إعلام علاقات عامة" على الرغم من أن دوائر الإعلام في المؤسسات الحكومية والخاصة هي المصدر الأكثر ثراءً لمختلف وسائل الإعلام في شتى الفنون الإعلامية وهي المطبخ الرئيس لها، لذلك ما نرجوه من هذا المنتدى أن تكون توصياته نافذة مبنية على المختصين الذين تأسسوا على أيادي وخبرات أكاديمية عالمية.

لا أتوقع بأننا نكتفي بالاطلاع على التجربتين البريطانية والسنغافورية دون الاعتراف بقيمة الإعلام كمنظومة تخطيطة تستقرأ وتستشرف المستقبل، كما أنه من المهم الوقوف بجدية على الصعوبات التي تواجه دوائر الإعلام والاتصال وتقديم حلول "نافذة" لها، فالتحديات كثيرة وكبيرة، وتحتاج إلى آذان صاغية، وحتى لا نسبق الأحداث، سنظل نتمسك بالمنتدى الأول.. فعسى أن يحرك المياه الراكدة.

 

همسة..

الماء والخضرة والوجة الحسن ..ثلاثية تبهج الإنسان في الحياة، لكنه من الصعب أن يكون الوجه الحسن بديلا للإعلام.

abuzaidi2007@hotmail.com