المرتكزات العامة لإدارة الأزمات (2)


د. عيسى الصوافيّ - سلطنة عُمان
دكتوراه في إدارة الأزمات

لقد ارتبط وجود الإنسان وتطوره بالصعوبات التي تواجهه وبالتالي في جل مراحل بقاءه استطاع أن يتجاوز الصعوبات والأزمات، هكذا يبدو أن الأزمات تلازم الإنسان وتحدد منعرجات صيرورته لدرجة أنها أصبحت في الوقت الراهن حقيقة من حقائق حياته لها علاقة جدلية مع التغيرات الاقتصادية والإجتماعية التي تشكل محيطه.
لذا عالجت المجموعات الاجتماعية عددا من القواعدالتي حاولت تطبيقها تدريجياً بهدف تجنب كل ما قد يهدد أمنها، بل إن البلاد المتقدمة والنامية أنشأت أجهزة أوكلت لها مهمة معالجة المخاطر والأزمات التي تندلع وتهدد سلامتها. وبالتالي فإن مواجهة الأزمات اعتباراً للمضاعفات التي قد تنجم عنها ليس بالأمر الهين، بل إنها تخضع لعدد من الضوابط تهدف إلى الخروج من أوضاع الأزمة بأقل الخسائر والأضرار الممكنة سواء على الصعيد البشري أو المادي أو المعنوي مع العمل على التقيد بالقواعد التي من شأنها إرجاع الوضع إلى ما كان عليه في الحالة العادية.
بناءً عليه، سنعمل في خطوة أولى على معالجة مختلف المفاهيم التي شكلت الفضاء النظري الذي يلف ظاهرة الأزمات ثم ننتقل في خطوة تالية لنركز على المجهود التنظيمي الذي اهتم بمجابهة الأزمات في الحالات الاستثنائية لنصل في مرحلة أخيرة إلى تتبع جل الخطوات التي تؤشر بقرب حصول الأزمات وتساعد على التنبؤ بوقوعها لاتخاذ كافة الخطوات قصد درء مخاطرها وتفادي الأضرار الناجمة عنها.
ومن قبل سيكون المدخل إلى سبر أغوار هذا العلم بإلقاء الضوء على "البعد المفاهيمي لظاهرة الأزمة وإدارتها"
إن الأسس النظرية لإدارة الأزمات تتسع لتمثل نماذج البلاد التي تنهج أسلوباً منظماً لمواجهة الأزمات وتوكل متابعتها لجهاز معين. وعليه ليس علينا بالضرورة التركيز على مقومات كل بلد ليتبين لنا ما سيواجهه من أزمات، بل يكفينا أن نرصد القواسم المشتركة التي تتكرر في كل حالة وتتم معاينتها بصورة واضحة تفضي بنا بالضرورة إلى تحديد قيام حالة الأزمة حتى وإن ظهرت بطبائع وخصائص مختلفة وهو الأمر الذي يفرض علينا التعامل معها أيضا بأساليب متنوعة ومختلفة تتماثل مع طبيعة ونوع كل أزمة.
يمكن القول بأن الأزمة عبارة عن موقف أو حالة يخلقان وضعية تتلاحق فيها الأحداث لدرجة تخلط بين الأسباب والنتائج حيث تمتد مضاعفاتها لتمس الفرد والمجموعة ثم المؤسسات فالنظام، حينها يضحي متخذ القرار فاقداً السيطرة عليها وعلى اتجاهها (...). لهذا، نجد أن الأزمة كوضع متشعب، يظهر في صور مختلفة كانت وراء تنوع التعاريف التي حاولت تحديده.
لقد اختلفت تعاريف الأزمة باختلاف مظاهرها، وبالتالي نجد أنفسنا أمام تعاريف متعددة تركز إما على مصدرها أو ميقاتها أو مضاعفاتها، على أننا إذا حاولنا الرجوع إلى مصدرها اللغوي نجدها في المعاجم العربية تعني الشدة والقحط (...)، كما نجد التعريف العربي للأزمة يربطها بالضيق أي أن كل طريق ضيق بين جبلين يعتبر مأزم.
أما من حيث المضمون فإن للأزمة تعاريف تقوم إما على تطورها أو مصدرها أو أبعادها، هكذا يمكن القول من جانب معناها العام بأنها «تلك النقطة الحرجة واللحظة الحاسمة التي يتحدد عندها مصير وتطور جهة ما، إما إلى الأفضل وإما إلى الأسوأ: الحياة أو الموت، الحرب أو السلم، لإيجاد حل لمشكلة ما أو انفجارها. (...)
في حين تقدم لنا أبعاد الأزمة تعريفاً يحددها بأن تكون «حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قراراً تنتج عنه مواقف جيدة، سلبية كانت أو إيجابية، بحيث تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة..»(...).
وبالنسبة لزاوية المضاعفات يمكن القول بأنها «عبارة عن خلل يؤثر تأثيراً مادياً على النظام كله، كما أنه يهدد الافتراضات الرئيسية التي يقوم عليها النظام..» 1.
على أن الأزمات في مجملها تتوفر على عدد من الخصائص تميزها عن بعضها أحياناً وتقاسمها أحياناً أخرى.
وتشترك الأزمات في خصائص عامة تطبع فترات وقوعها إما عند النشأة أو التطور أو المآل. هكذا نجدها عند اندلاعها تأتي:
(1) كلحظة حرجة تهدد مصير هيكل أو تنظيم أو نظام أو مجموعة وتوجد صعوبات جمة لدى متخذي القرار من حيث طغيان الشك وعدم التيقن وغياب الوضوح والمعلومات مما يوجد حالة من التردد تزيدها التداعيات المتسادعة حدة أكثر.
(2) تتسم الأزمات بتوفر عناصر متضاربة متباينة الاتجاهات والمصادر بشكل يوجد وضعاً معتماً ومتشابكاً فترفع حالة التوتر لدى صناع القرار ويصعب عليهم السيطرة على الموقف.
(3) كما أنها تبرز كخلل يعرقل انتظام العمل والأداء لدى الهياكل أو التنظيمات التي تتصدى لها إضافة إلى عنصر المفاجأة الذي يرافق الخلل حيث تنجم عنه خسائر قد تكون إما مادية أو بشرية أو هما معاً اعتباراً لغياب التوقع لما حصل من أزمة.
فضلا عن هذا، فهي تذهب في مجموعها بكونها تهدد المصلحة العامة التي تتضرر بخصوص ما يعود الدولة من مجالات كالتراب الوطني أو الممتلكات العامة أو ما يعود للأفراد من ممتلكات خاصة تخص فئات عريضة ولا تنحصر في فرد بعينه.

تعليق عبر الفيس بوك