المرأة في الإسلام والجاهلية والحضارة الغربية؟!

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني
الجامعة الهاشمية – الأردن

 

   تناولنا في المقالة السابقة (مظلومية المرأة في الشرائع والحضارات القديمة) ونتحدث في هذه المقالة عن مكانة المرأة في الجاهلية والإسلام والتي لم تصل إليها المرأة في الحضارة الغربيّة حتى الآن، ولم ترتقِ إلى شأوها، ولم تستظل بقيمها، ومازالت تكافح لاقتناص حقوقها من الغرب الذي احتقر المرأة  قروناً طويلة - كما ذكرنا – فهي كانت لا ترث، - ومازال ميراثها ناقصا ومشروطا - ولا تتملَّك،  وكان لزوجها الحق في بيعها، وبلغ الأمر بهم أن طرحوا فكرة فلسفية تتساءل: هل المرأة مجرد جسم بلا روح ؟ وهل هي إنسان أم لا؟ وعندما قرَّر الغرب إنصافها واعتبارها إنسانة لم يتخل عن فكرة أنها مخلوق لخدمة الرجل وحمَّلوها تبعة خطيئة آدم.
في حين نجد القرآن الكريم يشير إلى آدم وحوّاء معاً،  فكل الضمائر في الحديث عن خروجهما من الجنة      "فأزلّهما الشيطان" ...... "فأكلا منها"، وحين يذكر القرآن ضميراً مفرداً فإنّه يعود على آدم، فهو الذي استغفر، وفي ذلك إشارة إلى أنه المسؤول الأول إذا كان ينبغي بحق القوامة ألاّ يستجيب للشيطان واللّه أعلم:" فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ  إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ". (سورة البقرة - الآية:37).
وفي الجاهلية العربية التي تتهم بالانحياز للذكر مستشهدين بقولهم: لا تفرح العرب إلا لثلاث: أن يولد فيها ذكر، وأن يظهر فيها شاعر، وأن تولد لهم فرس " وقد يبدو ظاهرا أنه انحياز له، لكن لو محصنا في الثلاث لعرفنا أنها جميعا مرتبطة بالفروسية التي تحقق مجد القبيلة وتضمن بقاءها، ومَنُ القبيلة؟ جلها نساء: الأم والأخت والزوج والابنة، وبنات العم، ومن يحميهن هو الذكر الذي يربى ليكون فارسا يموت دونهن، والفرس هي وسيلته لذلك، والشاعر هوالإعلامي الذي يحفظ مكارم القبيلة وأيامها، ويوجهها إلى المعالي ويحمس الفرسان للذود عنها والموت دون عرضه، وفي الوقت نفسه لم تحرم المرأة التي تتحلى بالشجاعة من أن تتعلم فنون الفروسية وتشارك في البطولة، وذكر التاريخ لنا أسماء منها: صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وخولة بنت الأزور وغيرهن؛ بل لن تجد في الشعوب القديمة من كرَّم المرأة كالعرب، وإن تشددهم أحيانا لهو خوف عليها، فهم يصنعون لها الهودج وعليه ستارة تحميها من الغبار والحر، يفرش لها لتنام وترتاح والرجل يمشي على رجليه يمسك زمام ناقتها تحت حَرّ الشمس، ويحرسها حتى الموت من الغزاة؛ بل من طقوس القصيدة أن تبدأ بالبكاء على أطلال الحبيبة، وحين تتزوج يدفع لها المهر (الصداق) ، ومهر لأنها أصيلة يبذل لها كما يبذل للخيل، والصداق برهان للصدق في الرغبة في أن تكون حليلة مكرمة، وجاء الإسلام وزاد وفَصَّلَ. فكرَّمها ابنة، من ذلك ما جعله اللّه- عَزَّ وجلَّ - من أجر عظيم لمن يرعى الإناث ففي الحديث الشريف " من ابتلي من هذه البنات من شيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار "رواه البخاري ومسلم. و"مَن ابتلي" هنا لا تعني البلاء بمفهومه الشائع لدى العوام اليوم، وإنما معناه الامتحان والاختبار.
بل رغب الإسلام بتعليم المرأة حتى الجارية، فقال-  صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ" رواه البخاري ومسلم.
وفي حديث آخر رواه الترمذيّ: " مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ ".
- أماعن  تكريم الإسلام للمرأة أمًّا، فكان بأن جعلها أولى الناس بالصحبة والإحسان بما يعادل ثلاث أضعاف حق الأب، برًا، كما في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين جاء إليه رجل" فقال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ:ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أَبُوكَ». متفق عليه. ". رواه مسلم والبخاري. إنها ثلاث مراتب أولى للأم على الأب، ولعل الأولى لأنها حملت ثقلا، وحمله خفة، والثانية لأنها وضعته كرها ووضعه شهوة، والثالثة لأنها أرضعت واعتنت وغسلت وسهرت وطببت، والرابعة لأنه أنفق وأسهم في التربية قليلا.
وأماعن  تكريم الإسلام المرأة زوجاً، فذاك حين فرض لها المهر على الزوج، والنفقة عند الطلاق واحتضان الأطفال، كما أعطاها حق رعاية الأطفال دون زوجها ما لا ترغب في الزواج. فقد جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله: "إن ابني هذا كان بطني له وعاء، ودمي له سقاء، وحجري له حَواء، وإن أباه طلقني، فأراد أن ينزعه مني، فقال لها:أنت أحق به ما لم تنكحي"  في حين أعطى الإسلام الرجل حق رعاية أبنائه بعد بلوغهم لإراحتها فتحسم الصعاب في سن يحتاجون فيه إلى رجل يرعاهم ويمنعهم من الجموح. وقد نوَّه النبي- صلى الله عليه  سلم- بالمرأة  دورها في خطبة الوداع حيث بدأها مستوصيا بالنساء فقال :" أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن عوانٍ في بيوتكم؛ أي أسيرات،  وقال خيركم: خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي."
 ومن عناية الإسلام بها أيضا أنه حدد مسؤوليتها فقال :إذا صلت المرأة فرضها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأرضت زوجها دخلت جنة ربها ."
فحتى العبادة في الأساس يكفيها منها الفروض لا استهانة بها؛ بل تنويها بعظم المسؤولية التي تقع على كاهلها مما يعدل ما يقوم به الرجل من أجل دخول الجنة من صلاة في المسجد وقيام ليل وصيام نهار وجهاد في سبيل الله وجري خلف الرزق الحلال، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائه" .  ووصى  - عليه السلام - في مرض موته بالنساء فقال :"الله الله في نسائكم وما ملكت أيمانكم
ومن الحقوق التي أوجبها الإسلام للمرأة :
أولا - حق المرأة في حفظ عرضها وجسدها، ولعلنا نذكر ما قالته هند بنت عتبة عندما جاءت مع نسوة حديثات الإسلام إلى رسول- صلى الله عليه وسلم - ليعلمن الإسلام، فكان أن ذكر لهن أن من حق الأزواج عليهن ألا يزنين ،" فقالت: أو تزني الحُرَّة يا رسول الله؟ قال: لا تزني الحُرَّة" ومن هنا كانت الحكمة الإلهية بفرض الحجاب على المرأة عند بلوغها لأنها قبل البلوغ لا تكون مكتملة الأنوثة، ومطمعا للرجال ومن هنا أيضا كان نهي المرأة عن الخضوع في القول عند محادثة الرجال، وقد بين القرآن الكريم حكمة ذلك صراحة فقال تعالى: (فيطمع الذي في قلبه مرض) ، فالمرأة قد تكون لطيفة ورقيقة الكلام بطبعها ولكن المشكلة في بعض قلوب الرجال المريضة والتي تجعلهم يظنون أنها راغبة في الرذيلة، فيطمعون بها، وينالها من أذاهم ما ينالها.

ثانيا - حق المرأة في عصيان الرجل والخروج إلى الحرب هي والطفل دون إذن وليها وذلك حين يجتاح الأعداء ديار المسلمين، فيصبح تجنيد المرأة في هذه الحالة فرضاً لا اختياراً ولكن شرط إن لا يمس ذلك عرضها ونعلم إن كثيراً من المجندات في الجيوش الغربية لا يجندن إلا من أجل ترفيه رجال الجيش وهذه الحقيقة يطرحها الإعلام الأمريكي والغربي نفسه.

ثالثا - حقها السياسي في المبايعة ولعلنا نذكر هنا مبايعة النساء للرسول – صلى الله عليه وسلم- في بيعتي العقبة والرضوان.

رابعا - حقها في إن تكون معلمة ولعلنا نذكر دور السيدة عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث الشريف ورسوخها في علم الأنساب ودورها في تفقيه النساء في الدين.

خامسا - حق المرأة في أن تكون شاعرة ومفكرة وصاحبة كلمة تؤديها بأمانة، فمن ذلك استماعه – صلى الله عليه وسلم- إلى الخنساء تلقي شعرها عليه وهو يستحسنه ويقول: مه، مه (أي زيدينا من شعرك).

سادسا- ومن تكريمها تسويتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، والثواب والعقاب ،كل حسب طبيعته؛ ليكمل أحدهما الآخر لا يناقضه أو يتنافر معه، ومن المساواة في التكريم والثواب خطاب المؤمنين والمؤمنات، والصادقين والصادقات، والقانتين والقانتات، وفي المساواة بالتحريم والعقاب دنيويا وأخرويا قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما...)، وقال (الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة)، في حين نرى أن القوانين الوضعية التي تحكم العالم اليوم لا تطبق هذه الأحكام؛ لإشاعة الرذيلة والفاحشة في الناس مما أدى إلى الاستهتار بالأعراض والأموال.  
 وهذا غيض من فيض من دور المرأة ومكانتها . وأحيانا نسمع عبارة مفادها أن المجتمع الإسلامي مجتمع رجال ،وهذا ليس حقيقيا من حيث التشريع ، لكنه من مخلفات زمن التجهيل في القرون المتأخرة التي أقصت العربي فأوجدت أفكاراً ليست بالعربية ولا الإسلامية،كما لحظناه من خلال ما ذكرناه آنفا ، فصحيح أن حق الإمامة للرجال في الصلاة وفي الحكم ، لكن يقابل هذا حق الأمومة للنساء ، كما أن القرآن الكريم لم يهمش دور المرأة بل كان بيت النبوة دائما من زوجات وبنات موئلا للعلم، ونموذجا يحتذيه الرجال والنساء في آن؛ غير أنه في مراحل متأخرة همش دور المرأة العربية كما همش دور الرجل العربي ولو رجعنا إلى الشعر المملوكي وما بعده لوجدنا أن شخصية الجندي العربي مفقودة تماما، ومثل ذلك في العصور السابقة الجارية هي الطاغية على حديث الشعراء، وهذا يعني أنها مشكلة مجتمع ، رجل وامرأة ،ومن نظر إلى الواقع بموضوعية مجردة يدرك حقيقة مهمة هي :حين يغيب الرجل وتتخلخل مكانته تغيب المرأة وتتخلخل مكانتها ، وحين تضيع المرأة كن واثقا أن الرجل ضائع، وحين تنحط المرأة فاعلم أن الرجل ينحط أيضا إن الارتباط بين الرجل والمرأة هو ارتباط مصير واحد، وواقع واحد، والبيئة التي تربي فارساً نبيلاً هي نفسها من تربي أم فرسان، وصانعة أبطال ، ويستحيل أن يوجد فارس نبيل في بيت يخرج امرأة خانعة، ولا يمكن لأمة أن تنهض إلا بهما معا ونحكم على أمة تقوم على أحدهما دون الآخر أنها أمة آيلة إلى السقوط.                                     

تعليق عبر الفيس بوك