العرب يرقصون فرحاً في اليونيسكو!!

حمد العلوي

لقد أصبحت حالتكم أيها العرب مخيفة مرعبة، وإنَّ تزاحمكم المشتت على كرسي اليونسكو ليس صادقاً، فقد أظهر بعضاً من سوآتكم التي كانت تُمَارس بالخفاء في السابق، وكنَّا سنقبل اعتذاراً من العامة على انفعال يبدر منهم في منافسة عرضية، كالتنافس على لعبة كرة قدم مثلاً، ولكن أن يبلغ المبلغ إلى النّخبة من المسؤولين، ألا وهم رجال السلك الدبلوماسي، وهم الفئة المختارة لتمثيل دولهم في المحافل الدولية، ولكن الأمر الأكثر إيلاماً أن يحدث ما حدث منهم في قصر الثقافة والعلوم (اليونيسكو) وهي المنظمة الأممية الأعلى أهمية في توثيق الثقافة العالمية؛ لأنها تعنى بالتاريخ والعلوم الإنسانية، وأخلاقيات شعوب الأرض، ولم يكن متصوراً ولا مستساغاً، أن يحدث ما حدث من انفلات شعبوي على ذلك النحو، وفي باريس عينها العاصمة الأوروبية المنعوتة بمدينة النور، وليس داخل جامعة الدول العربية، التي تعود العرب أن يتقاذفون فيها بالصحون، أو بما توافر لديهم من أدوات مكتبية بالية، فإنما هو أمر مقبول، لأنه سلوك أصبح مألوفاً ضمن الموروث العربي الحديث.

إذن، التخلي عن معاني الأدب والأخلاق، يحتاج إلى إشهار حتى يكون معترفاً به في اليونيسكو، ويسجل ضمن التراث العالمي باسم العرب؛ لذلك استلزم الأمر إبداع مشهد مجسَّم في مقر المنظمة الدولية، وذلك لضرورة الإثبات حتى يسجل باسم العرب لا غيرهم، لقد صار حالنا كعرب حالاً مؤلماً لا يطاق، وذلك عندما لا نعرف أن نواري سوآتنا أمام الآخرين، فقد أصبح أهل العلم والثقافة العرب يتزاحمون على التشهير بالأمة، وما كرسي اليونيسكو إلا وسيلة لا هدفا، ولو كان هدفاً لاجتمع السفراء العرب في اليونيسكو، وحددوا سفيرين للمنافسة، بحيث ينسحب أحدهما لاحقاً للذي تقدم بالأصوات في الجولة الأولى، ولكن العرب كونهم الأشجع دوماً في تقبل الخسائر، حتى صار شعارهم "خاسر لا محال خاسر" فقد عز عليهم أن يفوتوا هذه الفرصة، ويتركوا أحدهم يفوز بمنصب رئيس اليونيسكو، وإن الجامعة المسماة بجامعة الدول العربية، بذلت قصارى جهدها لتكّرس فشل العرب.

لقد بلغ حال الأمة قمة الانحطاط الممنهج، حتى إنها أبكت الأمم على سفهها بعدما أصبح الضحك لا يليق، وقد قيل كلام منسوب إلى هتلر، إن الخيانة تسكن ربوع العرب وديارهم، وهي مقموطة بحبل في ساحتهم حتى لا تغادر أرضهم، وكان البعض عندما يتحدث عن خيانة العرب، ينعته البعض الآخر بأنه من مرضى التخوين والتشكيك، ويطلب منه الاستعاذة من الشيطان الرجيم من هذا الابتلاء، ترى ماذا نقول اليوم؟! وقد أعلن العرب تآمرهم على بعضهم البعض، علناً وعلى رؤوس الأشهاد، وعبَّروا عن ذلك بفرحتهم المجلجلة، يوم هزموا "هم" زميلهم العربي، بحجة أنهم على خلاف سياسي مع الدولة التي ينتمي إليها، أي شؤم يتسابق عليه عرب النقيض والنقيض المضاد.

ثم متى يترفَّع العرب عن الصغائر؟ أم هذا مرده إلى انقراض زمن الزعامات والقامات الكبيرة؟ ثم حق عليهم قول أبوالطيب المتنبي حين قال: وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ .. وعَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ .. وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ .. وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها، قد طغى والله عدد الصغار اليوم على عدد الكبار، فأصبح قدر الأمة متدنيا بين الأمم وأضحوكة الأعداء، ولكن كما نكن يولى علينا، فقد رضي العرب بحكمة "الخواجة" وطاب مقام لورانس العرب وجون فيلبي بينهم، ولم نسمع بعربي واحد ساد العالم في العصر الحديث.

إن الحكمة التي أنشدها الشاعر أبوالمقنع الكندي في قصيدته التي قال في أحد أبياتها: "لا أحمل الحقد الدفين عليهم.. وليس سيَّد القوم من يحمل الحقدَ"، إن الذي نراه اليوم في قاموس العرب، عكس الذي كان يسود به الزعيم وقومه، فقد نشأ جيل يريد أن يحكم بالحقد والضغائن، وللأخذ بالثأر الكيدي والغدر، وليس فيه شيء من القيم التي يترفع بها الإنسان عن الصغائر؛ لذلك تفشت الدسائس والمكايد، والعمالة للغريب بين ثنايا أمة العرب، وهذا الذي سيورّث الفرقة، والحروب وعدم الاستقرار على الساحة العربية، لسنوات طويلة قادمة، مادام تغيرت ضوابط القيادة والزعامة.

لقد ظلت عُمان ودول قليلة أخرى من دول العرب، تترفع عن الصغائر، وفي الوقت ذاته تحرِّم التدخل في شأن الآخرين، أكانوا عرباً أم غيرهم، وآثرت أن تكون قدوة حسنة لمن أراد أن يقتدي بها، ولكن للأسف الشديد أخذ البعض يُدندن على الوتر النشاز، محاولاً إرغام من ليس كمثلهم، أن يُدفع به دفعاً ليتخلى عن حياده، ويُطلب منه ليعود إلى نهج السّير مع القطيع، حتى لو كان ذلك خاطئاً، وغير متقبل على الإطلاق، وقد يُودي بهذا القطيع إلى حظيرة الإبتزاز، التي تديرها دول الاستكبار العالمي، وعندئذ لن ينفعهم شيئاً الرجوع بعد فوات الأوان، وبعدما يستحوذ العدو على الأرصدة المالية، وهي من الأساس تنام في الأمان بين ظهرانيهم، وإن ليس من شيء ينقذ من تورط في قرارات متهورة من الحساب، فدول الاستكبار لا تحكم بالعدل الدولي، وإنما هي لها منظرها الخاص للعدل، وهي وحدها تخول نفسها بإصدار القوانين والأحكام، وهي تحكم بما يحقق مصالحها وحسب، فمتى يعي العرب أهمية الرجوع إلى تكريس مصلحة الأمة مجتمعة، وتتجاوز المصالح الفردية أو الشخصية.