أليس توحيد منافع التقاعد مكسباً؟!

 

عبد الله العليان

 

لا تزال أحاديث المواطنين بتوظيف 25 ألفاً من الباحثين عن عمل (كمرحلة أولى)، تلقى الاهتمام والنقاش حولها من زوايا كثيرة، ومن التساؤلات يتحدث عنها: ماذا سيكون نصيب كل قطاع من قطاعات الدولة العسكرية والمدنية؟ وماذا عن التوظيف في القطاع الأهلي بكافة تخصصاته المهنية، ونصيب هذا القطاع من الباحثين؟

لاشك أنّ حجم التوظيف (25) ألفاً رقم كبير، ولكن في المقابل فإن تجميد التوظيف لعدة سنوات عدا بعض الوظائف القليلة الفنية، ساهم في توظيف هذا العدد وضروراته، وهي بلا شك معادلة متقاربة تتناسب، وحجم المخرجات التي ازدادت كل عام وستزداد سنوياً أيضاً، وهذا الأمر وإن تأخر قليلاً، لكنه أصبح حاجة ملحة في ظرفنا الراهن، والدولة رأت هذا مطلباً لابد من اتخاذ القرار السريع، وهو قرار في محله لاشك، على الرغم من بعض الظروف الاقتصادية الراهنة تمر بها الكثير من الدول النفطية، وهي قدرت هذه الرؤية الإيجابية في اتخاذ هذه القرارات بالتوظيف، على الرغم مما قد يكون هناك بعض المصاعب المؤقتة لهذه القرارات من الناحية المالية، لكننا نرى أنّ المخارج كثيرة، وليس هناك ما يعيق الخروج من أيّة أعباء تعتبر طارئة وليس هناك حتمية في مثل هذه الظروف. وأتذكر أنّ بلادنا واجهت مصاعب كثيرة، سواء في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما تولى جلالته حفظه الله مقاليد الحكم، وكانت الثورة في ظفار قائمة، والتوترات في بعض المدن العمانية أيضا نشر عنها، أو أثناء البناء والتشييد لبلد عانى كثيراً من التوترات في القرون الماضية، وتأخر كثيراً عن ركب التقدم والنهوض، كما جاءت أزمة النفط في الثمانينيات، ووصل برميل البترول إلى تسعة (دولارات) ومرت الأزمة واستعادت ميزانية الدولة عافيتها، مع الظروف المالية الشحيحة، لكن الرؤية الثاقبة لكيفية الجمع بين البناء والإنجاز، ووقف التوتر والمشكلات القائمة التي سبقت النهضة العمانية الحديثة، ممكن التلاؤم بينهما، ولذلك استطعنا أن نتغّلب على هذه الإشكالات، وكانت النظرة واعية لكل التحولات والتغيرات في العقود التي مرت، وتخطّت بلادنا تلك المصاعب والتوترات، وعاد الجميع إلى بلادهم ليشاركوا في نهضتها. واعتقد أنّ الفارق شاسع، بين تلك الظروف آنذاك وظروفنا الحالية من الناحية الاقتصادية والتنموية، فنحن الآن بحمد الله في مرحلة يشار إليها بالبنان، من حيث النقلة النوعية في البنية التحتية، ولا نزال في هذا التحرك لاستكمال ما نراه يحقق الأهداف المبتغاة لمسيرتنا، وهذه المسيرة لن تتوقف، لكنني أرى أنّ من ضمن المخارج التي نراها جديرة بالمراجعة، وتطبيقها يسهم في تحقيق ما نهدف إليه، تطبيق منافع التقاعد الموحد، الذي جاء بتوجيهات من جلالته أبقاه الله، في 11 نوفمبر 2013، وقد كتبت في هذا عدة مرات طارحاً أهمية هذا التطبيق العادل لموظفي الدولة المدنيين، وربما أنّ تأخير هذا التطبيق، ربما بسبب الظروف المالية الحالية، مع انخفاض عائدات النفط في الفترة الماضية، لكن الآن، مع قرارات التوظيف المقبلة، نحتاج إلى مقاربة جديدة مع هذا التوجه للتوظيف، لطرح تطبيق منافع التقاعد الموحد، ولو لفترة يتم تحديدها، أو استمرارها وثباتها، لتشجيع لمن قضى فترات طويلة في عمل الحكومة المدني، وبعض من هؤلاء ليس له عمل فعلي لا يمكن الاستغناء عنه، وأعرف الكثير من الخبراء والمستشارين، عندهم الرغبة في الحصول على تقاعد مشجّع، كما هو مطّبق في بعض الجهات الحكومية الآن، ويعطون الفرصة للشباب من المخرجات الجديدة، واعتقد أنّ تطبيقه على من قضى فترة لا تقل عن 25 عاماً في الدولة فما فوق، سنجد الآلاف سيرغبون في هذا التقاعد، وكثير من هؤلاء لديهم أعمالهم الخاصة وهذا ليس سراً، وهذا ما سيجد الاستجابة منهم، وكذلك سيسهم في حركة النشاط الاقتصادي ودفع العملية التنموية، في القطاع الأهلي، وفتح آفاق جديدة لتوظيف المخرجات المقبلة. وكما ذكر أحد المسؤولين من عدة سنوات عن هذا الترهل في جهاز الدولة المدني، ففتح الباب للتقاعد الاختياري، نراه مسألة مهمة، للتخفيف على الحكومة من الأعباء الجديدة للتوظيف، وهذا الاقتراح قلناه قبل سنوات مضت، وهو أنّ هناك آلافا من الموظفين في جهاز الدولة المدني، فوق حاجة ومتطلبات العمل، حتى أنّ بعضهم لا يجد مكاتب له، فالأعداد كبيرة، فلماذا لا يتاح لهم هذا القانون الموحد، وتستفيد الدولة من أعباء مالية دون مردود في الأداء الوظيفي، وينتظرون نظاماً للتقاعد، كما هو مطبق في بعض جهات الدولة المدني.

الفرصة الآن سانحة في تطبيق القانون الموحد الذي تمّ وقفه، وأتوقع أنّ هؤلاء سيطلبون التقاعد الاختياري وهم ممتنون لهذا الدعوة الاختيارية، ولم يخسروا شيئاً من حيث الفارق المادي، مع مكافأة ما بعد الخدمة؛ لأنّ درجات الذين أمضوا ثلاثة عقود من خبراء ومستشارين تساوي ثلاث درجات ماليّة من الذين يتم تعيينهم حديثاً، ولو حسبناها حساباً ماليا خالصاً، لوجدنا هذا في صالح الدولة مادياً وإدارياً، والدولة أيضا تجدد الدماء، وتتاح الفرصة للباحثين عن وظائف من المخرجات الجديدة من شتى التخصصات الإنسانية والعلمية، وخصوصاً أنّ هناك التزاما من الحكومة بتوظيف 25 ألفاً أواخر هذا العام كما أشرنا، وهناك مرحلة ثانية أيضًا، ولذلك أرى ويرى كثير من المهتمين بهذا الجانب أنّ فتح باب التقاعد الاختياري وفق منافع التقاعد الموحد، خطوة مهمة وضرورية لتجديد جهاز الدولة المدني، وتقليل الأعباء على الدولة، وليس هناك جديد في هذا الأمر، الآباء أدوا واجبهم في عقود مضت في خدمة وطنهم، والأبناء حملوا المسؤولية.. وتلك سنة الله في خلقه.