حمى "الفيفا".. "عدت على خير"!!

المعتصم البوسعيدي

"مهما كنت تظن أنّ حياتك بائسة لا تسير على الوجه الصحيح وأنّ كل شيء في أسوأ حالاته هناك حتمًا ـ على الأقل ـ شيء واحد طيب وصحيح في حياتك؛ وإلا لما كنت حيًا تقرأ هذه الكلمات الطيبة"، ولقد مرت أيام "الفيفا" بلحظات عصيبة كان يمكن أن تكون كارثية على جمهورِ كرة القدم بعمومهم بعدما وضعت منتخبات عريقة ولاعبين كبار على مقصلة الإقصاء في "تراجيديا" يبدو أنها "عدت على خير"!!

لقد منح منتخب الفراعنة بتأهله لكأس العالم الفرح لملايين المصريين والعرب في مباراة حافلة بالدقائق الجنونية، وقبله كانت نسور قرطاج حلقت في غينيا، وبات عليها الحصول على نقطة من الشقيقة ليبيا في مباراة التأهل الرسمي بعد التأهل بالتوقعات النظرية، في حين عُدنا نسمع زئير الأسود المغربية الذين غيروا حسبة الأفضلية قبل جولة الختام في انتظار ترويض الأفيال العاجية، أمّا أكبر قارات العالم فكانت شاهدةً على ملحمةٍ سطرتها روح أبناء سوريا الأبيّة.

في المقابل كانت التصفيات الأوروبية مشتعلة تحت أقدام منتخبات بحجم إيطاليا التي مرت بسلام نحو الملحق حالها من حال كرواتيا والسويد، فيما نجت فرنسا من الفخ وكذلك فعلت بطلة أوروبا بقيادة رونالدو إثر تعطيلهم للساعة السويسرية الدقيقة، أمّا المحزن فكان توقف الطواحين الهولندية عن الدوران وذبول أزهارها اليانعة؛ بالسقوط الكبير لكاتبة معزوفة الكرة الشاملة، وتراجع مخيف لأفضل منتخب لم يفز بكأس العالم، فيما كان النبأ السعيد التأهل الأول للمنتخب الآيسلندي الذي جعل من بلاده أصغر الدول سكاناً تتأهل إلى المونديال، وسيحظى المشاهد بضمان رؤية احتفالهم المميز في روسيا 2018م.

حُمى "الفيفا" بلغت الذروة في تصفيات المونديال عن قارة أمريكا الجنوبية بعدما خيم شبح إقصاء الأرجنتين مع التاريخي ليونيل ميسي، تصفيات تشابكت فيها الحظوظ حتى اللحظات الأخيرة التي انتفض معها "البرغوث" ليخلص بلاده من مصيدة وشيكة، فيما أطاحت سيدة اللعبة الجميلة البرازيل ببطل "الكوبا" خارج حسابات المونديال، أمّا تصفيات أمريكا الشمالية والوسطى والبحر الكاريبي فلم ترحم أمريكا من مسلسل الأعاصير التي تضربها بين الحين والآخر؛ وذلك بمرور إعصار كروي ـ هذه المرة ـ جعلها بعيدة عن بلاد "الروس"، في حين كان تأهل المنتخب الكوستاريكي قبل جولة الختام تأهلا يحمل معنى جنون كرة القدم بهدف الدقائق الأخيرة الذي حكى قصة ليلة من ألف ليلة وليلة، مع ليلة أخرى بطلها منتخب بنما المتأهل للمونديال لأول مرة في تاريخه.

 

مع كل هذا التباين ومع حمى أيام "الفيفا" الصاعدة والهابطة، مرَ إعلان تأهل منتخبنا العُماني الأول الرسمي من جزر المالديف الجميلة رفقة المنتخب الفدائي الفلسطيني مرور الكرام، تأهل "لم يسمن ولم يغني من جوع"؛ فالمستوى دون الطموح وعمل الجهاز الفني شابه الكثير من التساؤلات خاصة في اختيار اللاعبين وعدم الثبات حتى الآن على تشكيل واضح، علاوة على تكرار ترك "الحبل على الغارب" في تقليعات الشعر "والستايلات"، الأمر الذي يجب القول فيه وبكل صراحة أننا نريد منتخبا يمثلنا ويمثل هويتنا انطلاقًا من كل لحظة يظهر فيها شعار السيفين والخنجر.

كفانا تبريرا في هذا الجانب حتى وإن كان البعض يعده من التفاصيل الصغيرة والهامشية، لكننا نريد ـ فعلاً ـ هويتنا وروحنا العُمانية الأصيلة.

 

سيعود الجميع إلى مهاجعهم ومشاغلهم؛ فقد انقضت أيام "الفيفا" بحلوها ومرّها، أمّا نحن فعلينا إدارة المرآة للخلف وقراءة ما مضى. أيّها الأصدقاء المرآة تقول: إنّ في ظل الصراع على بطاقات العبور نحو المونديال القادم، كان منتخبنا يجاهد ويصارع للصعود لأمم آسيا، ويحل ثانيًا ـ حتى الآن ـ في مجموعته، المرآة ـ يا أصدقاء ـ عكست لنا منتخب سوري قهر الصعاب وفاز "برفع قبعات" الاحترام والتقدير، المرآة ـ يا أصدقاء ـ أبرزت الهند إذ تستضيف كأس العالم تحت 17 سنة، وتايوان إذ تتخطى البحرين، وأفغانستان إذ تتعادل مع الأردن، المرآة تصرخ فينا لنستفيق من سبات الماضي "يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا؟!، يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرًة أخرى، أراك لَحَنْتْ" لا يا "تميم البرغوثي" لم يلحن كاتب التاريخ  واستثناؤه كان صحيحًا ودقيقا، والشيخ كتب الواقع الذي بتنا نراه بنظاراتنا الشمسية المجملة له، فنحب تصديق جماله الزائف!، وإن كانت حمى الفيفا "عدت على خير" على كثيرين، فاعتقد إنّها لا زالت متمسكة بجسدنا المريض، فأين طبيبنا الحاذق أيّها العقلاء؟!.