المسؤولية الاجتماعيّة شراكةٌ وليست صدقةً أو وَجَاهة

ناصر أبو عون


قطعًا ستكون التجربة العُمانيّة مختلفة ومثمرة في الوقت ذاته، حيث تسعى مبادرة جريدة الرؤية حثيثًا نحو ترسيخ مباديء (المسؤولية الاجتماعية للشركات) وِفْقَ نموذج جديد من "التنافسيّة والمعياريّة" والتنظيم الممنهج.
فعبر عقود طويلة دأبت العديد من الشركات حول العالم تحت سيف الحياء المسلط على رقابها تارةً، وفي إطار الترويج والدعاية التجارية لمنتجاتها تارةً أخرى على تقديم مساعدات ماليّة وعينيّة لبعض شرائح المجتمع تحت شعار: (الرعاية التجاريّة)، ومع نشأة الاقتصاد الحديث في بلدان الشرق الأوسط، سعت كذلك العديد من المؤسسات الاقتصاديّة إلى خدمة مجتمعاتها، وتقديم المساعدات للمواطنين ولكن دونما الاستناد إلى منهج احترافيّ في خدمة المجتمع مما أضاع الكثير من الجهود سدى.
بينما في دول الحضارة الغربيّة ومع بروز ملامح الثورة الصناعية نجحت بعض الشركات الكبرى في (تقعيد) مصطلح "المسؤولية الاجتماعيّة"، وتطويره والنظر إليه في إطار من "الشراكة الإلزاميّة" مع المجتمعات التي تعمل فيها.
وفي الوقت ذاته ظلّت الجهود التنظيمية لما يُعرف بالرعاية التجارية في المشرق الإسلامي لا تتعدى مفهوم "الصَّدَقَات"، مما حدا بالبعض إلى القول  بأن "الغرب اختطف المسؤولية الاجتماعية من العمل الإسلامي الأول، ولكنه اهتم بها مفهوما وتطبيقا، - وفق تعبير الدكتور عبد الرحمن باعشن -،  فتلك المسؤوليّة "توجِّه المؤسسات والشركات نحو رعاية المجتمعات والأفراد على الصُّعد الخدميّة كافة، لا سيما الأعمال ذات الصلة بنشاطات واهتمامات الشركات التي تقدّم خدمات تتجاوز النواحي الاجتماعية المعروفة إلى النواحي البيئية والاقتصادية".
ولأن عجلة التحديث لا تتوقف عن الدوران؛ فقد تطورت الجهود التنظيمية "للرعاية التجارية" مع حركيّة ونمو الاقتصاد العالميّ وتنامي الشركات الغربية باندماجها وعبورها للقارات، وتعدد جنسيات المساهمين فيها فاتسع نطاق مسؤوليتها الاجتماعية جغرافيا وقاريًّا أكثر فأكثر بادئةً بمجتمعاتها وصولا إلى المجتمعات الإنساني كافةً ومادةً أذرع أنشطتها الطوعيّة إلى أبعد مدى.
وتأخذ المسؤولية الاجتماعية للشركات حيزا أكبر، ومصداقيّة أكثر مع إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماع جنيف عام 2000 عن تخصيص دورة استثنائية تحت عنوان "المبادرات الاجتماعية للشركات" بهدف مواجهة الفقر، وتطوير الحرف والمهن البيئية"، وإصدار تقريرها الأول عن "المبادئ التوجيهية لدعم المسؤولية الاجتماعية للشركات"، وضعت من خلاله حزمة من المعايير الدوليّة وحوكمة أكاديمية لسلوك الشركات العاملة في نطاق الاقتصاد الدولي".
وجاءت النقلة النوعية في الأداء التنظيمي "للمسؤولية الاجتماعية" ليكون أكثر احترافية مع ظهور مبادرة معهد Reputation العالمية والتي تتابع وترصد إسهامات الشركات الكبرى حول العالم في خدمة مجتمعاتها، وتصدر تقريرا سنويا تحت عنوان CSR RepTrak 100 ويضع التقرير تصنيفا وترتيبا علميا ومنهجيا للمؤسسات على مستوى العالم وِفقَ إسهاماتها فى "المسئولية الاجتماعية" معتمدًا على استطلاعات رأي علمية "للجمهور والزبائن والمستهلكين والشركاء وقياس تصوراتهم للدعم الذي تقدمه الشركات لهم من خلال ثلاث معايير رئيسة هى: "المواطنة، والحوكمة، ومكان العمل".
وفي إطار فلسفة "إعلام المبادرات" تطلق جريدة الرؤية مبادرة جديدة تحت شعار "نحو ميثاق وطني للمسؤولية الاجتماعية" صباح 11 أكتوبر 2017، بفندق شيراتون عمان، لتبعث مفهوم خدمة المجتمع من منظور احترافي، وتؤكد على دور المؤسسات الاقتصادية في دعم التنمية المستدامة، ولكن ضمن مجموعة من (المعايير) القياسيّة المستندة إلى قيم الأخوة الإنسانية والرحمة والتعاون، وهي مفهوم إسلاميّ في نشأته؛ أشار إليه القرآن الكريم في أكثر من موضع مؤكدً على أن (قيمة التعاون) هي العروة الوثقى بين الأنشطة الاقتصادية كافة من جهة، والمجتمع بسائر مكوناته من جهة أخرى. قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]. وقوله تعالى في سورة [النساء: الآية 114].: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
و"إذا كان المجتمع بكل مؤسساته وقطاعاته وأفراده مطالب بتحمل نصيبهم من هذه المسئولية، فإن أكثر القطاعات التي يتوقع منها الكثير تجاه الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، هي قطاع الشركات والمنشآت التجارية، - وفق تعبير د. عادل رشاد - فدورها لا ينحصر في استغلال الموارد المتاحة لها بما يخدم أهدافها الاقتصادية فقط، بل إن مسؤوليتها تمتد إلى مواجهة الحاجات الاجتماعية، وهو دور يتجاوز حدود الشركة وعامِلِيها إلى المجتمع والتأثير فيه، وهو في حقيقته التزام أخلاقي واعتراف بفضل المجتمع عليها في الرفاهية التي وصلت إليها".
ومن هذا المنطلق تأتي مبادرة جريدة الرؤية الجديدة تحت شعار "نحو ميثاق وطني للمسؤولية الاجتماعية"، والتي سوف يرعاها معالي الشيخ محمد بن سعيد الكلبانيّ وزير التنمية الاجتماعية، وفي إطارها سيتم تدشين الدورة الأولى "للمنتدى العماني للشراكة والمسؤولية"، والذي يبدأ أعماله صباح 11 أكتوبر 2017، بفندق شيراتون عُمان، والإعلان عن "جائزة مادية تقدمها "الرؤية" لأفضل مشروع أو فكرة في مجال المسؤولية الاجتماعية؛ بهدف تشجيع ودعم جهود المسؤولية الاجتماعية في سلطنة عُمان.
وفي إطار المباديء العامة التي تستند إليها مبادرة "المنتدى العُماني للشَّرَاكة والمسؤوليّة" أكد المكرَّم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية والمشرف العام على المنتدى: "إنه وعلى الرَّغم من أنَّ المسؤولية الاجتماعية كمفهوم وسياسة عمل ليستْ ملزمة قانوناً للشركات، إلا أنَّ الثقل الأخلاقي والمعنوي لها منحاها وزنًا كبيرًا جَعَل من المستحيل على الشركات غضَّ الطرف عنه، أو تجاهل مسؤوليتها تجاه المجتمعات التي تعمل فيها، وِفقَ مجموعة من القيم تشكل منظومة متكاملة الأضلاع للعمل الجاد والإنجاز النوعيّ؛ مما يعكس الأبعادَ الاحترافيَّة في العمل، والتي تتجاوز النظرة التقليدية للنشاط الاجتماعي للشركات".

تعليق عبر الفيس بوك