مشكلة التوظيف بين العلاج والمسكنات

زاهر المحروقي

أعاد بيانُ مجلس الوزراء عن توفير فرص عمل لخمسةٍ وعشرين ألف باحث عن العمل، مسألةَ التوظيف إلى الواجهة من جديد، بعد أن كانت حديث الناس في المجالس العامة والخاصة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجةِ تحديد يوم الخامس عشر من أكتوبر 2017، يومًا للمطالبة بالوظائف؛ إذ جاء البيان وكأنه استباقٌ لذلك اليوم الموعود.

وجاء في البيان أن "مجلس الوزراء عكف طوال العام على إيجاد المعالجة المستدامة لهذا الموضوع من كافة جوانبه، وأن قضية الباحثين عن عمل كانت حاضرة ضمن أعمال مجلس الوزراء". وفي الواقع، فإننا بالفعل نحتاج إلى معالجة مستدامة لقضية التوظيف، ولسنا بحاجة إلى علاج مؤقت أشبه بــ"التخدير" الذي يستمر لفترة قصيرة، فإذا انتهى مفعوله يعود الألم أكثر من ذي قبل. ولكن يبدو -للأسف- أن الإعلان عن إيجاد الوظائف الخمسة والعشرين ألفاً في القطاعين العام والخاص، هو أشبه بذلك التخدير المؤقت، وهو يشبه ما حدث تمامًا عام 2011، لأن المسألة -على ما يبدو- لم تكن مدروسة بعناية، وإنما كان الهدف السريع منها هو امتصاص فورة الشباب الذين خرجوا في احتجاجات تطالب بالوظائف؛ فكان من نتيجة ذلك وجود تضخم كبير في الأجهزة الحكومية دون إنتاج يُذكر، في وقت نجد أن العمالة الوافدة ما زالت مسيطرة على القطاع الخاص، في تناقض غريب؛ فكيف للشباب العماني أن يعاني ويبحث عن العمل فيما نجد أن الوافدين يصل عددهم إلى نصف عدد السكان، وقد يزيد عددهم على عدد المواطنين بعد فترة قصيرة؛ هذا غير الرواتب العالية التي يتقاضاها ممن يتبوؤون مناصب قيادية في القطاع الخاص.

إن إيجاد الوظائف للشباب أمرٌ ضروريٌ وهو محمود في حد ذاته، لأن الأمم الحية لم تنجح إلا بالعمل من خلال تكريس مبدأ العطاء وزرع قيم الوطنية وغرس حب العمل والإنتاج في الشباب؛ ولكن المطلوب هو إيجاد حل دائم لهذه المشكلة، التي سوف تتجدد عامًا بعد عام، ولن تتمكن الدولة مستقبلا من استيعاب كل هؤلاء الباحثين عن العمل، لأن عددهم سيكون في ازدياد. فهل ستنتظر الدولة عامًا أو عامين حتى تنطلق دعواتٌ إلى التظاهر لتُعين خمسة وعشرين ألفًا آخرين، كما حصل عامَيْ 2011 و2017؟

الذي يظهر لي هو أننا نعيد إنتاج الأخطاء نفسها، فلم نتعلم الدرس الماضي جيدًا؛ فالأجهزة الحكومية -كما يبدو- غير قادرة على تشخيص الكثير من المشكلات وإيجاد حلول لها، ومنها مشكلة الباحثين عن العمل. ومن الملاحظ أنه لا توجد خطط واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ والمراجعة والقياس. وهذا يطرح سؤالا مهما؛ هو: هل الأجهزة التنفيذية في البلد أصبحت جامدة ومستهلَكة وعالة على الدولة والوطن؟ وهل مسؤولية التوظيف تقع على جهة واحدة فقط هي وزارة القوى  العاملة؟

مسألة إيجاد الوظائف تحتاج عزيمة حقيقية وجهدا مخلصا، وإلى الابتعاد عن المسكنات المؤقتة، لأنها -أي مشكلة التوظيف- قنبلة موقوتة سوف تنفجر في أية لحظة. والمطلوب هو إيجاد حلول دائمة للمشكلة، وليس الاعتماد فقط على الوظائف الحكومية؛ فالحكومة لن تستطيع أن تتحمل أو تستوعب المزيد من الموظفين، وهذا منطق طبيعي ويحصل في دول العالم كلها. وقد أشار إلى ذلك جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- لدى افتتاحه جلسات مجلس عُمان عام 2012، عندما قال: "هناك كلمة نود توجيهها للشباب العماني وهي أن العمل بقدر ما هو حقٌ فهو واجب، وأن على كل من أتم تعليمه وتأهيله الانخراط في أي عمل مفيد يحقق فيه ذاته ويسعى من خلاله إلى بلوغ ما يطمح إليه، وعدم الانتظار للحصول على عمل حكومي؛ فالدولة بأجهزتها المدنية والأمنية والعسكرية ليس بمقدورها أن تظل المصدر الرئيسي للتشغيل؛ فتلك طاقة لا تملكها ومهمة لن تقوى على الاستمرار فيها إلى ما لا نهاية".

هناك حلولٌ كثيرة، لكنها تحتاج قرارا وعملا وليس إلى ندوات كثيرة ووعود إنشائية؛ وربما تأتي في مقدمة هذه الحلول: مسألة تعمين القطاع الخاص في المقام الأول؛ لأن الحاصل الآن هو ارتفاع أعداد القوى العاملة الوافدة يومياً؛ إذ تشير إحصاءات رسمية إلى أن عدد العمال الوافدين من دول غرب آسيا، تجاوز 1.9 مليون، رغم أن العدد قد يكون أكبر من هذا في ظل عمليات التسلل شبه اليومية التي يُضبط بعضها، إضافة لليد العاملة غير الشرعية، والتي أصبحت تسيطر سيطرة شبه تامة على كل القطاعات الإنشائية والخدمية والتجارية والزراعية وصيد وبيع الأسماك؛ ولعل شخصية "أبو مريم" الأسطورية خير دليل على سيطرة الوافدين على قطاع الأسماك، وهي شخصية يحيط بها غموض وتساؤلات كثيرة، ومنذ سنوات طويلة.

ووصل أمر تغلغل العمالة الوافدة أن تأتي هذه العمالة من دولة مجاورة وتشتغل في قطاع النقل العام في محافظة البريمي -كما نُشر في موقع أثير الإلكتروني- بأرقام مركباتهم غير العمانية في مخالفة واضحة للقانون، فيما نرى أن التعمين في قطاعات كثيرة قد تراجع، بسبب غياب الرقابة، فأصبح الأمر عاديا أن تجد معظم المحلات التجارية تديرها العمالة الوافدة.

لا تقتصر مسألة وجود العمالة الوافدة على منافسة المواطنين في أرزاقهم فقط، وإنما تتعدى ذلك إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني. ويكفي أن نعرف مدى خطورة تحويلات الأجانب سنويا حتى نعلم حجم الكارثة؛ إذ تقدر الحكومة حجم هذه التحويلات بنحو تسعة مليارات دولار سنويا، هذا غير المبالغ النقدية الأخرى التي قد يصطحبها الوافدون عند سفرهم أو باستخدام طرق أخرى ملتوية. ومع ارتفاع عدد العمالة الأجنبية، ستزيد هذه التحويلات، وهو ما يستنزف إمكانيات الدولة أكثر في هذا الظرف الحساس.

إن اللجوء إلى "ردة فعل" فقط في كل أمر لهو خير دليل على الفشل في قراءة الواقع؛ كما أن اللجوء إلى المسكنات المؤقتة لتخفيف ألم المريض فيه من الخطورة ما فيه. وفي ظني أن غياب الفعل والاعتماد على ردة الفعل فقط، فيه تشجيعٌ للناس -ولو بصورة غير مباشرة- على أن في الاحتجاج بركة، وأن الحلول لن تتأتى إلا بالاحتجاج.