كيف نعالج قضايا الباحثين عن العمل؟

 

حميد بن مسلم السعيدي

جاءت التوجيهات السامية من جلالة السلطان قابوس بن سعيد من أجل توظيف (25) ألف باحث عن عمل ضمن خطة زمنية يعمل خلالها مجلس الوزراء على توظيف الشباب العُماني في القطاعات الحكومية والخاصة، وقد ثمن المجتمع العُماني هذه المبادرة السامية التي تنبع من المتابعة المستمرة لجلالة السلطان قابوس لقضايا المواطنين، نتج عنه شعور الجميع بالطمأنينة والسعادة من أجل الخروج من هذه الأزمة التي تمثل هاجسا وطنيا.

في ذات الوقت ظهرت العديد من الرؤى لإعادة التفكير في صياغة استراتيجية وطنية مستقبلية تعمل على مواجهة التزايد المستمر في الباحثين عن عمل، والعمل على الحد من زيادة العمالة الوافدة التي تجاوز عددها مليوني وافد، مما يشكل ضغطا على الوضع الاقتصادي للبلد، لذا فلا يمكن اليوم القبول بالتناقض بالطرح بين تزايد الباحثين عن العمل تقابله زيادة في العمالة الوافدة، فكيف لهذا المواطن أن يجد لنفسه مكانة بين هذا العدد الضخم من العمالة، والتي تعمل جاهدة على فتح مسارات جديدة لبني جلدتها، وفي ذات الوقت تعمل على القضاء على الوجود العُماني الشاب في المؤسسات الخاصة، والعمل على محاربة مشاريعهم الحديثة؛ فكيف نتخلى عن ثرواتنا من أجل الوافدين ونترك ابن الوطن بدون مصدر رزق؟

وفي ظل التناقضات التي نتعايشها بين المصالح الخاصة التي تعمل على زيادة رصيدها من الأموال مقابل مصلحة الوطن، وبين تحقيق رؤية التعمين، لذا فإنّ هذه الفئة ستظل تعمل جاهدة على استقطاب أعداد كبيرة من العمالة الوافدة والزج بها في السوق العُماني، مستغلة الوضع الحالي في ظل ضعف وغياب منظومة قانونية ورقابية قادرة على ضبط هذا الضخ بالأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة والتي عبثت بكل شيء بهذا الوطن، في بره وبحره وجباله باحثةً عن رزقها في وطن لا شأن لها به، سواء أنها تدفع ضريبة مالية لمن جاء بها لهذا الوطن، في ممارسات مخالفة كل القوانين تحت وطأة التجارة المستترة واستغلال الأمانة التي منحت لها.

لذا فإنّ البيان الصادر من مجلس الوزراء يجب أن يرى الواقع الحقيقي نحو التطبيق الفعلي خاصة فيما يتعلق بتوظيف الباحثين عن العمل خاصة في القطاع الخاص، أضف إلى ذلك أنه لابد من إعادة التفكير في نسبة التعمين في القطاعات الخاصة لكافة أنواعها، على ألا تقتصر هذه النسبة على التعمين دون تحديد نوعية الوظائف بين الوظائف الدنيا أو الوظائف التي يجب أن تكون حاضرة في المستويات العليا في مؤسسات القطاع الخاص، على أن تتم الاستفادة من  قطاع المشاريع الحكومية في منحها للشركات التي تحقق نسب عالية في التواجد العُماني فيها في كافة مستوياتها الإدارية، على أن تكون تلك الأرقام حقيقية لأنّ الكثير من مؤسسات القطاع الخاص تعمل على تشغيل العمالة الهاربة لأنّها غير مسجلة في سجلاتها الرسمية أضف إلى ذلك أنها أقل تكلفة للشركات من حيث توفير التأمين الصحي، أو التجديد السنوي لبطاقة العمالة، وهذا ما يرفع من تأثير التجارة المستترة على التعمين، لأنّ الأرقام لا تكون حقيقية مما يجعلها تنفذ من عملية التعمين بطريقة غير مباشرة، وهذه إحدى أساليب التلاعب بمشروع التعمين.

وفي ذات الوقت فإنّ القطاع الحكومي لا يمكن أن يستمر في توظيف الباحثين عن العمل مقابل ارتفاع البطالة المقننة في بعض المؤسسات نتيجة التوظيف غير المخطط له، وهذا من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد الوطني، وخسارة قوى بشرية كان من الأجدى الاستفادة منها في قطاع الإنتاج، وليس من أجل شغل وظائف لا تحقق أدنى النتائج، لذا يجب أن تكون هناك رؤية لإعادة التفكير في التوظيف في المؤسسات التي بحاجة إلى المتخصصين كالمؤسسة التربوية والصحية من حيث السماح للتوظيف في الوظائف الإدارية والعمل على إرجاع المختصين إلى وظائفهم السابقة كالمعلمين المنتدبين في الوظائف الإدارية من أجل سد الشواغر التي تجاوزت (10) ألف شاغر في قطاع التعليم، على أن يتم تغطية الوظائف الإدارية من الباحثين عن العمل من مختلف التخصصات، وفي ذات الوقت العمل أيضا على مراجعة التوظيف في قطاع الصحة حيث هناك ارتفاع كبير في العمالة الوافدة العاملة في الصيدلة والتمريض والعمل على معالجة بذات الفكر من خلال إيقاف الترقية الإدارية للوظائف الإدارية ونقلها للباحثين عن العمل على أن يتم رفع العلاوات المهنية التي تقدم للعاملين في هذه الوظائف من أجل الحفاظ على بقائهم فيها، وتقديم المكافآت المالية والحوافز، على أن يتم إيقافها في القطاع الإداري.

بين هذه وتلك يجب أن تكون المشاريع الشابة في ريادة الأعمال أن تجد الدعم المادي خاصة في المشاريع المتوسطة والصغيرة، وتبني جميع التوصيات التي صدرت من الندوات والمؤتمرات إلى واقع ملموس، والعمل على القضاء على كافة التحديات التي تواجه الشباب في مشاريعهم الحديثة، كما يجب العمل على إعادة التفكير في قانون الأراضي خاصة التجارية والصناعية والسياحية وتحويلها إلى أراض حكومية تخضع للاستثمار طويل المدى، على أن تمنح للشباب الذي لا يمتلك وظائف في القطاع الحكومي أو الخاص مع تقديم القروض المالية لهم التي تساعدهم على إقامة مشاريعهم التجارية والصناعية والسياحية، كما يجب الاستفادة من مشاريع الطرق الحديثة في إقامة محطات تعبئة الوقود ومنحها لمجموعة من الشباب بعد إنشائها من قبل الحكومة على أن يذهب جزء من الأرباح لرواتب الشباب والجزء الأخر لتكلفة المشروع، والشباب هم الأحق بذلك من غيرهم من المستثمرين الآخرين.

إلى جانب العمل على تغيير نسب التعمين وتحويلها إلى 100% في بعض الوظائف في القطاع الخاص، خاصة تلك الوظائف ذات الدخل المرتفع كسائقي الشاحنات الكبيرة، والمحاسبين في قطاع المحاسبة وقطاع التجارة، والمروّجين التجاريين، وغيرها من الوظائف التي يمكن أن يشغلها الشباب العُماني، كما يجب إيجاد هيئة وطنية معنية بحماية الشباب من تعرضهم للظلم والاستبداد من المؤسسات الخاصة، خاصة أنّ الكثير منهم يتعرض للظلم ولا يستطيع أن يتقدم بشكوى في الجهات الأمنية خوفا من الفصل التعسفي، أو تعرضه للنقل إلى أماكن بعيدة عن مكانة إقامته أو إيقاف المكافآت المالية عنهم، وهذا من أهم القضايا التي يعاني منها الشباب في القطاع الخاص الذي تديره العمالة الوافدة.

Hm.alsaidi2@gmail.com