سدُّوا على المتربصين بالوطن الذرائع

مسعود الحمداني

 

في كل دولة في العالم يوجد الفساد، ويوجد المفسدون، وتوجد التجاوزات الإدارية والمالية، ولا يُستثنى من هذا التعميم بقعة على الكرة الأرضية، فأينما وُجد البشر وُجدت الأخطاء، ولكن تتفاوت درجات هذه التجاوزات بين دولة وأخرى، فهناك فساد مستشرٍ في كل مفاصل الدولة دون حسيب أو رقيب، وهناك تصرفات فردية غير مؤسسية في أجزاء معينة من الحكومة يتم بترها واستئصالها عبر قوانين وتشريعات تضعها الدولة، وتطبقها على كل من تسوّل له نفسه المساس بمكتسباتها، والمسّ بمقدّرات مواطنيها؛ لذلك تتضاءل فرص الفساد، وتتقلص نسبة التجاوزات كلما كان التطبيق حازما وحاسما وعادلا.

وفي السلطنة، لا أحد يُنكر وجود التجاوزات الإدارية والمالية، ولكن في المقابل هناك تشريعات وقوانين تطبَّق في كثير من الحالات، وتسعى الدولة جادة لوضع أو تقليص هذه التجاوزات إلى حدها الأدنى، ولعل هذه التجاوزات هي من تعطي لأصواتٍ من المواطنين في الداخل والخارج ثغرة أو ذريعة للنيل من نسبة البياض الكبيرة في هذا الوطن، ولا تنظر مثل هذه الأصوات -متعمدة ربما- إلى حجم ما يتحقق، بل تجد فرصتها وملعبها بالاصطياد في الماء العكر؛ لذلك تلعب على وتر العاطفة الوطنية، وتستصرخ الشباب، وتثير البلبلة والفوضى بين صفوفهم في توهّم منها بأن ذلك سوف يخلخل اللحمة الوطنية، أو يفتت المجتمع ليسهل بعد ذلك التهامه، والسيطرة على وعيه، وهي تعمل ليل نهار من منطلق شخصي -أو ربما بإيعاز خارجي- للوصول إلى هذا الهدف، ويزعجها دائما أي إنجاز يتحقق، فذلك يؤخرها عن مبتغاها كثيرا.

ولعل المثال الأبرز والأحدث في انتهازية المواقف هو تحريض الشباب الباحث عن عمل على التجمهر، والذي أراد الداعون له إشعال شرارة الفوضى، وإيجاد شرخ بين الحكومة والمواطن، غير أن الحكمة الوطنية المتمثلة في التوجيهات السامية بإيجاد فرص عمل لـ25 ألف مواطن كمرحلة أولى أضاعت عليهم الفرصة، وردت كيدهم في نحورهم، وجعلت المحرضين يتراجعون إلى جحورهم حتى حين، وقد يشتغلون لاحقا على كيفية التوظيف ويستشهدون بتجربة 2011م، والتي لم يكن لها آلية حكيمة ذات بُعد إستراتيجي تجنب البلاد ما نجني ثماره اليوم.

... إن توفير هذا الكم من فرص العمل كان حريًّا أن يُدرس من قبل الحكومة، وكان عليها أن تبادر هي بحكم قبضتها على مفاصل القرار على معالجة الأمر أولا بأول دون انتظار توجيهات أو أوامر سامية مباشرة، من خلال إيجاد آلية للعمل والإحلال، وتمتين البنية الأساسية للقطاع الخاص عبر تسهيل ومراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بنظام التعمين، والسعي لتشغيل الباحثين عن العمل قبل أن تكبر الدائرة، وتقل الخيارات، وحتى تسد الحكومة الذرائع على المتربصين بالوطن ومقدراته من خلال إيجاد الحلول للمشاكل التي تمثل ثغرات لدخولهم من خلالها إلى عقول الشباب، واللعب على عواطفهم، واستغلال حماسهم.

يجب الاعتراف قبل كل شيء من قبل المسؤولين في الحكومة بأن هناك مشاكل حقيقية تواجه البلاد يجب معالجتها، وهذا جزء من التحديات التي تواجه أي حكومة في العالم، بدءا من التجاوزات الإدارية والمالية التي تحدث من البعض، وليس آخرها مشاكل تجاوزات المواطنين على أراضي الدولة، وغير ذلك من منغصات تقض مضجع أي مجتمع، والتي على الحكومة مواجهتها بشجاعة ودون تردد حتى تسد الذرائع على المتربصين الشر بالبلاد والعباد، ولكي يكون الوطن للجميع، والجميع للوطن.

Samawat2004@live.com