افهمني أيها المسؤول..!

 

زينب الغريبيَّة

التقيتُ، منذ فترة، أحد المسؤولين عن مجال حيوي، كان لقاء مثمرًا، دارت فيه الكثير من النقاشات والأفكار التطويرية في المجال، طلب مني أن أرفده بشيء مكتوب بخصوص الموضوع محل النقاش، لتطوير الموضوع بأفكار جديدة، أخذتُ الموضوع بجدية كمساهمة مني في تطوير موضوع ما قد يعود بالفائدة على قطاع لا بأس به من المجتمع.

كان التواصل مُستمرا في حثي على إنجاز الموضوع في فترة مناسبة؛ من أجل تقديمه للجهات العليا للقيام بدراسته.. أعددتُ ما استطعت كتابته وبثه من إمكاناتي المتواضعة؛ لأرسل الموضوع وأنا سعيدة بمساهمتي تلك؛ لأتفاجأ بأن المسؤول تلقَّى الملاحظات والمقترحات بطريقة معاكسة، فبدلا من أن يعتبرها منطلقات للتطوير، بدت له انتقادات لعمله، وكأنني أحمل حلا لأخطاء موجودة لديه، فأنا بذلك قد اتهمته بوجود أخطاء في عمله.

تفاجأت بردة الفعل تلك؛ لأنها أشعرتني بأنني وقعت في فخ بحُسن نية حين اعتقدت أن هناك من يسعى لتحسين عمله ويبحث عن من يعينيه في ذلك، ويقدم له ملاحظات موضوعية لا مجاملة فيها، إلا أنني كنت مخطئة في ظني؛ فالأمر لم يكن رغبة في التطوير بقدر ما كان رغبة في الكشف عن رأيي في العمل، وما إذا كنت سوف أقدم الثناء الكامل حوله.

لم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي ممرت به في الفترات الأخيرة، بل كانت هناك مواقف أخرى حول كيف يتم التعامل مع مسألة قبول التطوير وتقبل الرأي الآخر حولها، كانت لجنة يرأسها رجل يحمل شهادة علمية من جامعة عالمية، ومعه آخر ذو منصب إداري جمعني معهم موضوع عملي، وسألني هذا الرجل ما الذي يمكن أن تقدمينه لتطوير المكان الفلاني، مادام لديك خبرة فيه، قلت له الأمر يحتاج إلى وقت لإعداد ما تحتاج له، فقال لديك الوقت وفي انتظار رؤيتك، ومرت عدة أيام وقدمت رؤيتي التي جعلتهم يعبرون عن موقف معادٍ جدا، فأنا بملاحظاتي عبرت عن فشل في عملهم، أيُعقل أن يكون هذا المنطق هو سيد الموقف؟

لم يكن متوقعا ممن ينشدون التطوير ويسعون إليه اتخاذ هكذا مواقف، لذا ولد لدي ذلك عشرات التساؤلات: كيف من الممكن أن تتطور مؤسساتنا إذا كنا لن نقبل رأي الآخرين في تطويرها؟ وما التناقض الذي يحمله البعض حين يرفعون التطوير شعارا لكن عندما يأتي إليهم يرفضونه لأنهم يعتقدون أنهم يعملون بشكل جيد، ويريدون الحفاظ على الوضع الراهن الذي يعمل آخرون على تكريسه من خلال الثناء على ما يقومون به.

لذا؛ فإن القناعة التي تولدت لدي من خلال هذه التجارب هي أن لا أضع المقترحات الثمينة في المكان الذي لا يرغب من هم فيه على التغيير، وألا أبالغ في التفاؤل بالذين يتكلمون كثيرا عن التطوير والحاجة إليه، فالتطوير معنا يفسر بشكل قد يكون خاطئا؛ أي أنك إذا اتخذت إجراءات تطويرية وقمت باتخاذ قرارات لتفعيل أقسام ودوائر أو حتى وزارات، فأنت بذلك تعترف بجوانب قصور، وذلك القصور لا يمثل الاعتراف به فضيلة، بل البعض يرون أنه اعتراف للآخرين بعدم صواب قراراتهم، وفي ظل هذه التفسيرات والتأويلات تضيع جهود كثيرة، وتتأخر خطط، ونسأل في النهاية: لِم حدث كل هذا؟ فلا نجد جوابا مقنعا يمكن أن نبرر به كل ذلك.

حين نضع المصلحة العامة الهدف والمقصد، وهي ما علينا السعي نحوه بكل الطرق، حتى لو أخذنا الحكمة من أفواه المجانين لنصل، ودون أن نخلط مشاعرنا وطريقة تفكيرنا بالواقع العملي، فإننا حتما سنحقق ما نريد، وحين نأخذ بآراء الآخرين ممن حولنا ونجمع ما نريد منها ونراها صالحة فسيكون عملنا هكذا مبنيًّا من المجتمع نفسه، وهو أدرى بحاجاته، هكذا نحقق المنفعة العامة، دون الاستئثار بأخذ القرارات بشكل فرداني أو فئوي، قد يعبر عن أبعد من رأس الفرد نفسه نحو المحيط حوله.

جرأة بسيطة نحو التنفيذ، سنصبح ممن نوصف بأن أمرهم شورى بينهم، ونرى من يقدم الحقائق محبا مخلصا، لا منتفدا باغضا. فهمنا أولا وأخير السعي لصنع مجتمع مستقر متطور منتج يعيش لليوم والمستقبل.