ماذا نريد من القطاع الخاص؟!

عبدالله العليَّان

بعد القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء منذ عدة أيام، بناء على التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله- بتوظيف 25 ألفاً من الشباب الباحثين عن عمل من المخرجات والتخصصات المختلفة كمرحلة أولى؛ فإن هذا القرار يسهم في إتاحة الفرص أمام الشباب للتوظيف؛ للإسهام في بناء الوطن والنهوض به في شتى المجالات.

وهناك خطط يتم إعدادها في شأن هذا التوظيف، تبدأ من شهر ديسمبر المقبل هذا العام، ويمهد في تطبيق التوزيع في القطاعات التي تم تحديدها، وهي فترة تستحق أن يتم وضع المرئيات المتعلقة بالتوظيف للشباب، ولا شك أن هذا يتطلب أن يتحقق وفق معطيات دقيقة لنتجنب أية سلبيات عند التوزيع لتتناسب والتخصصات المهنية في هذه الوظائف؛ بهدف الاستقرار الوظيفي لكل موظف، ومراعاة ذلك مهمة وضرورية لإنجاح هذا التوزيع وتطبيقاته المطلوبة، وهذا ما نريده كأولوية للقطاع الخاص، عند تحمل مسؤوليته الوطنية في التوظيف، وأرى أن يتحقق الآتي:

أولاً: بعد إنشاء الهيئة العامة لسجل القوى العاملة منذ عدة سنوات، يصبح الحصر ميسوراً، لدى المتقدمين للتوظيف وتخصصاتهم وفق السجلات التي وضعت للحصر على مدى السنوات الماضية، وهذا بلا شك سيسهم في تسهيل توزيع الباحثين المتقدمين للتوظيف في القطاع الخاص، ومن المهم أن يتم مراعاة الذين لم يتوظفوا سابقا، حتى لا يحصل ارتباكاً في قضية التوظيف الأسماء التي ربما تقدمت للتوظيف قبل أعوام، وحصلت بعد ذلك على وظائف في قطاعات كثيرة، لكن ربما لم يتم معرفة ذلك، وهذا قبل إنشاء هيئة سجل القوى العاملة، وحدث خلل في التوزيع آنذاك، لكن من خلال جهود الهيئة، وهي معنية بحصر الباحثين عن عمل وهذا في حد ذاته له الكثير من المزايا لتفادي السلبيات في التوزيع.

ثانياً: سبق أن تحدثنا عن التعمين في القطاع الخاص، والضرورة الوطنية تحتم أن يسهم في استيعاب المخرجات من التخصصات التي تناسبه وهي موجودة، خاصة وأن العمالة الوافدة اقتربت من المليونين، وهذا الرقم الكبير ينافس العمالة الوطنية بالفعل، وحتى قطاعات إدارية ومحاسبية يتواجدون بها بصورة واضحة، وقبل عدة أيام كنت في زيارة لإحدى شركات وكالات السيارات، وعندما دخلت المكان المخصص لعرض بيع السيارات، وجدت عددا من الموظفين العمانيين لم يتجاوزا أصابع اليد الواحدة، لكنني لاحظت أن المكاتب الداخلية للوكالة بها محاسبون، وربما بعضهم إداريون، من العمالة الوافدة! وهي ملاحظة لا تخلو من هدف إظهار العمالة الوطنية للعيان وغيرهم من المسؤولين من الوافدين في مكاتب أخرى قد لا يُنتبه لها كثيراً!

فالذي نريد أن نقوله -وقد قلناه في مناسبات عديدة- أن الخبرات الوطنية تستطيع أن تسيِّر هذه الوظائف الإدارية والمحاسبية، وتديرها في هذه الشركات والمؤسسات على وجه الخصوص، والخبرة الأجنبية ليست أفضل منها، ونجاحها في قطاع المصارف يعد مقياساً واضحاً وجليًّا، إنها قادرة على الإحلال دون إعاقات، ومن يقل غير ذلك عليه أن يعيد النظر فيما يقول. وقد سمعنا هذه النغمة التي قيلت عن الموظف العماني، وعن عدم التزامه، وهي ليست صحيحة، عندما يعطى الثقة والتقدير في تحمُّل المسؤولية، أيضا هناك وظائف كثيرة في العديد من الشركات والمؤسسات، وبها وظائف كثيرة إدارية ومحاسبية، ومن الضروري الآن أن يتم إحلال العمالة الوطنية، وهذه التخصصات ليست موجودة؛ فالمخرجات من الجامعات والكليات كثيرة وبنفس تخصصات العمالة الوافدة.

أيضًا شركات التأمين، استوعبتْ العديدُ من المخرجات العُمانية، خصوصاً من المحاسبين والإداريين، لكنَّ الفرص فيها لا تزال مُتاحة للإحلال، وبإمكان استيعاب الكثير من المخرجات الوطنية في كل هذه الشركات خصوصا الأعمال المحاسبية؛ فالكفاءات الوطنية من خلال المخرجات السنوية كبيرة جدا، ولا عُذر لهذا القطاع الخاص الذي استفاد من خيرات هذا الوطن ومن دعم الدولة له منذ فجر النهضة؛ لذلك عليه أن يسهم إسهاماً إيجابيًّا في إتاحة المجال أمام الشباب للتوظيف، وليس له عذر في ذلك.

ثم منطقيًّا: لماذا نعطي الوظائف القيادية -خصوصاً الإدارية والمحاسبية- لغير ابن الوطن؟ وهذا أمر لافت في هذه النظرة لغير الوطني!! فالعمانيون الآن أصبحوا خبراء في تخصصاتهم، ونجحوا منذ عدة عقود في إدارة شركات عملاقة، وهذا ما يعرفه الجميع.

ثالثاً: من العوائق التي حالت دون تطبيق التعمين في القطاع الخاص، غياب (التعريب) في غالبية هذه الشركات والمؤسسات، وهذا الغياب أسهم بلا شك  في غياب العنصر الوطني عن هذا القطاع بصورة كبيرة، وهذه معادلة تحتاج مراجعة من الدولة، وغياب التعريب في اعتقادي سيستمر في ظل غيابه، صحيح هناك بعض المعاملات تحتاج إلى لغات أجنبية، وهذه تقدر بقدرها ـ كما تقول القاعدة الفقهية- وحتى المخرجات من الجامعات والكليات المختلفة تستطيع التعامل مع هذه المعاملات من حيث الحاجة الملحة.

لكن تطبيق التعريب حاجة ضرورية ووطنية لإنجاح التعمين، ومثلما تم التعريب في القطاع الحكومي، ويتم التعامل مع بعض المعاملات باللغات الأجنبية، يمكن أن يتحقق في القطاع الخاص، مع مراعاة الاحتياجات الفنية، ولدينا من المخرجات والتخصصات من الشباب مَنْ لديهم القدرة على هذا التعامل مع هذه المعاملات، والمخرجات -خصوصا التخصصات التي يطلبها هذا القطاع- إذن موجودة، فالكثير من مخرجات الثانوية العامة ذهبوا للتعليم في أوروبا، ولم يجدوا عوائق في مسيرتهم العملية والعلمية، فما بالنا من مخرجات التعليم العالي؟! أليس في مقدرتهم التفاعل مع بعض المعاملات التي نحتاجها وبلغة أجنبية؟

رسالة لمن يهمه الأمر....!