"تنفيذ" والبحث عن خارطة الطريق!

هلال الزيدي

 

هناك وعلى امتداد البصر تبدو الصورة واضحة وجلية، وتيرة الأحداث تتصاعد مع اتساع وتعمق الأزمات في حياة الناس؛ فمنهم من رمى بتفاصيلها لتجثو على صدور الفقراء، ومنهم من تحسس مسارها فنهش في مكوناتها علَّه يجد لها دواء ناجعا يخفف من وطأة مصيرها، وهناك من انتفض من غفوته فبحث عن مسكن "بانادول" وقتي ليجرها إلى أزمات أخرى، تتفاقم مع عدم إيجاد تخطيط سليم يتخطى تكرار الوقوع في الأزمة من جديد، إذن هي أزمة متمددة ومتنامية بتنامي عدد السكان، ولا يمكن أن نفصلها عن العوالم المحيطة بنا، نعم أنها أزمة الوظائف، أو دعوني اسمِّيها تفعيل القدرات والكفاءات الواعية بمعنى واجباتها تجاه انتماءاتها الوطنية، وحتى يجد هذا التفعيل واقعه، لا بد أن نسلِّم بجوهر القضية، ونعترف بأن لدينا قصورا في إيجاد البيئة التي تستوعب تلك الطاقات التي وجهناها لاكتساب المعرفة والتعلم، حتى تتماشى خطط التعليم مع خطط التشغيل؛ فهما كيانان متصلان لا يمكن أن نتجاهل أيًّا منهما على حساب الآخر.

إن الحديث عن مخرجات مختبرات البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ سابقا" هي المستحوذ الرئيس على كافة الحوارت التي تدور في مسألة إيجاد حل يخفف من تكدس الخريجين، كون هذا البرنامج يهدف ويسعى لإيجاد سوق يستوعب جزءا من مشكلة الباحثين عن عمل؛ كونه يعتمد على تفعيل القطاع الخاص عبر تنويع القطاعات المرتبط به لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي يعتبر الإنسان محركا مهما فيها؛ وبالتالي فإن الوقوف على ما يتناسب وحاجتنا الراهنة والمستقبلية سيكون في منظومة هذا البرنامج، وحتى نكون واقعيين فإننا نتوقع أن يُنفّذ هذا البرنامج وفق ما خطط له، لا أن يكون حبرا على ورق.

لقد سرَّني ما سمعته من أحد المشاركين في هذه المختبرات، حيث أكد حرص العديد من أصحاب الأموال "التجار" على الحضور والمشاركة في مختلف مراحل هذا البرنامج، وهي رغبة أكيدة من تلك الفئة في رد شيء من عطاءات هذا الوطن في أوقات الشدة، ولعل هذا الشيء هو واجب فعلي لا يمكن أن نساوم عليه أو نعده كرماً، ولكن من مبدأ الإنصاف علينا أن نشد على أيديهم مؤكدين أن غرس الأنامل في تراب الوطن لا يكون بالاستحواذ على مقدراته لمصالح ذاتية، وإنما من أجل أن ينتفع الجميع بها تحت راية المصلحة العامة.

الجميع في حالة ترقب وانتظار من أجل رؤية البرنامج الوطني على أرض الواقع؛ لذلك نتمنى من الجهة المختصة أن تخرج قليلاً عن صمتها وتطلع المجتمع على النتائج التي توصّل إليها، مع التركيز على الآلية التي تضمن تطبيق معطيات وتوصيات ومخرجات البرنامج حتى لا نعود بخفي حنين؛ لأن البطء سيجعل الفجوة تتسع، ونحن هنا لا نُطالب بتسريع الإجراءات في جوانبها الشكلية، وإنما نحتاج إلى مضمون يقلل من تعاظم الفجوة ويضع حلاً للأجيال الحالية والمستقبلية، مع أهمية أن يخرج المختصين عن صمتهم لتطمين الأعداد المتزايدة والباحثة عن مستقبل خدمة لوطنهم، مع إدراكنا الشديد بأن سير البرنامج وفق خطة زمنية هو من الأمور التي تساعد على تحقيق الأهداف المرجوة منه.

إن الاهتمام بالموارد البشرية يحتاج مصداقية قوية من قبل مُتخذ القرار بأهمتيها وضرورة تعاقب الأجيال في دورة الحياة؛ أي: لا يمكن أن نترك الوضع على عواهنه في مسألة التخطيط حتى لا يكون مركزياً يسيطر عليه ثُلة من النافذين في الأوساط الحكومية؛ لذلك فالدعوة إلى فتح المجال للشباب للمشاركة في تخطيط مستقبلهم هو الراية التي يجب أن يرفعها الجميع ويؤمن بها لتفعيلها وتبنيها حتى نستطيع اللحاق بركب الدول المتقدمة، والتي تبعد عنا ملايين الأميال الضوئية إن جاز لي التعبير.

إن أهم خطوة في هذا البرنامج هي الخطوة السادسة ضمن خطواته الثمانية، والتي تؤكد على وضع خارطة طريق لتنفيذ البرنامج ومعالجة التحديات والاستفادة من الفرص؛ حيث تعد قضية توفير فرص عمل أهم قضية في محور التنمية وهي ليست ببعيدة عن هذه الخارطة، إذاً فالبرنامج من الناحية النظرية واضح وصريح، وما تبقى في هذه المنظومة يعتمد على إسقاطه على الواقع بكل النتائج التي توصل إليها مع التأكيد بعدم حجب أي منها حتى تكون مؤشرات قياس أدائه واضحة للداني والقاصي، وتتسم بالمصداقية والشفافية المطلقة.

لا يمكن أن نشكِّك في قدرات شبابنا حتى وإن أراد الآخرون إجهاض قوتهم، من أجل أن يتنعَّموا بخيرات بلادنا؛ لذلك على الجميع صغيراً وكبيراً، وزيراً وغفيراً أن يُدرك هذا المبدأ ويعمل على تفعيله؛ كي لا تتحطم الأحلام وتسير في انحراف لا يحمد عقباه.

--------------------------

همسة:

قال أحمد شوقي: وطني لو شُغلت بالخلد عنه.. نازعتني إليه في الخلد نفسي.. وهفا بالفؤادِ في سلسبيل.. ظمأ للسواد من "عين شمس".

abuzaidi2007@hotmail.com