الإسلام الوسطي أم وسطية الإسلام؟

 

الناقد / عبد الجواد خفاجي – مصر

يحدث كثيرا أن نردد مقولات دون أن نبحث عن معناها . كالببغاوات نقول (الإسلام الوسطي)، ولم نقل (المنهج الوسطي للإسلام) .. والحقيقة أن الإسلام هو الإسلام، ولا يوجد (إسلام وسطي) و(إسلام غير وسطي) على نحو ما يزعم من يؤسـسون لمفاهيم جديدة خارج (المقدس)، والذين يسعون إلى وضع (اللادين) موضع الدين، استناداً إلى مفاهيم ليبرالية في الأساس.

ثمة فارق كبير بين (وسطية الإسلام) والمقولة الخبيثة (الإسلام الوسطي).. الأولى مردها إلى طبيعة الإسلام وتوسط مناهجه واعتداله، والثانية مردها إلى ما نعتبره وسطاً وننسب الإسلام إليه.

(الإسلام الوسطي) نوع جديد من الإسلام منسوب إلى "الوسط"، كما نقول: (عبد الجواد القنائي) فقنا هي الأصل، وعبدالجواد منسوب إليها، وبالمثل فإن (الوسط) هنا هو الأساس وليس الإسلام، ولعله الإسلام الذي يأتي ـ حسب النظر والرؤية ـ في الوسط. وهو في هذا خاضع لاعتبارات الرؤية الخاصة للإسلام. ومن ثم يحق لكل شخص أن يقدم مفهومه الخاص للمنطقة الوسط التي سيضع الإسلام فيها. كما يحق ـ وفق هذا المنظور ـ أن يدعي كل فرد منسوب إلى الإسلام أنه "وسطي" حتى لو لم يكن متديناً. لأن الاعتبار الأول ليس للإسلام وإنما (للوسط) فالوسط هو الأساس. ووفق هذا يخضع الإسلام للببغائية، وليس لأصوله التشريعية.

ولعله مصطلح متداول إعلامياً ويعني الــ "لا إسلام" لأنه يجعل الإسلام خاضعا لاعتبارات الرائي، وهو مصطلح يؤدي في الحاضر وظيفة سياسية، اخترعه الليبراليون لأداء وظيفة مرحلية تهدف إلى خلخلة مفاهيم الناس واختراع دين جديد لهم.

أما (وسطية الإسلام) فمنبع الفهم فيها هو الآية الكريمة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143]

والحقيقة أننا بحاجة إلى فهم (أمة وسطا) لو سألنا: ـ ما مَـرَدُّ الأممية هنا، أو بالمعني: بماذا أصبح العرب الجاهليون أمة؟ فستكون الإجابة : بالإسلام؟

ولو سألنا: ـ بماذا أصبح المسلمون عامة ـ من العرب وغير العرب ـ أمة ؟ فستكون الإجابة بالإسلام.

معني ذلك أن الإسلام هو المكون الأساسي للأممية.

أما لو سألناك: ما سبب وسطية هذه الأمة؟ فالإجابة هي: الإسلام؟ ونسألك ثانية: كيف؟، والإجابة: لأنه جعلهم وسطاً في كل شيء. وهكذا فإن الكلمتين اللتين اعتمدت عليهما مقولة (أمة وسطا) مردهما إلى الإسلام في الأساس. والأولى في الحكم أن تعود إلى الأساس، ومن هنا فإن الوسطية تعود للدين وهو الذي منحها أو أكسبها للأمة.

أما الحديث عن تفاصيل هذه الوسطية في الإسلام، وكيف جعل العرب أمة وسطا، فالكلام سوف يطول. وهو كلام ليس بجديد. فبالنظر إلى طبيعة هذا الدين بين المادية القح والروحانية الصرف نجد وسطية الإسلام بينهما، وما بين اهتمامه بالعبادات والمعاملات نجد وسطية، وما بين الرأسمالية الخالصة والاشتراكية القح نجد وسطية، وهكذا يمكننا أن نلمس وسطية الإسلام في جوانب كثيرة ومتعددة. ولذلك قلْ: (ألتزم بوسطية الإسلام) ولا تقل: ( ألتزم بالإسلام الوسطيّ).

تعليق عبر الفيس بوك