دور الأسرة والمدرسة في رفع الكفاءة اللغوية للأطفال (2 – 2)

د. عامر العيسري – سلطنة عُمان

 تعد الأسرة أول من يتولى العناية بنمو لغة الطفل وذلك عن طريق اتصاله وعلاقاته مع من يحيطون به من الكبار وارتباطه وتأثره بهم حيث يتعلم طريقة تفكيرهم ويتأثر بأسلوب تعبيرهم ويكتسب مفردات لغتهم لتشكل لغته الام ، لذا على جميع أفراد الأسرة وخصوصا الوالدين القيام بهذا الدور الكبير بكل مسؤولية  للأخذ بيد أبنائهم نحو الطريق الصحيح في مراحل تطور نموهم اللغوي وتحفيزه لديهم ، فمثلا ينبغي على الوالدين التحدث إلى الرضيع والطفل والغناء له وتقديم صور أو كتب ملونة وزاهية يقلب صفحاتها والإشارة إلى الصور ومحاولة وصفها بصوت واضح ولغة مفهومة ، كما ينبغي مداومة حكاية القصص المصورة للطفل وإعطائه فرصة لتمعن الصور مع ملاحظة تعبيرات الوجه والصوت لديه تبعاً لأحداث القصة ، وعليهم تصحيح أخطاء النطق التي قد يقع فيها الطفل من خلال ذكر اللفظة الصحيحة دون زجر الطفل ومعاقبته ، ولتعليم الحروف والكلمات يمكن تعليق حروف أبجدية ممغنطة أو صور للحيوانات على الثلاجة وباب الغرفة مثلا ، والحديث المتواصل مع الطفل حول اية موضوعات تهمه وتناسب عمره ، كما يمكن تجزئة الكلمة مع الطفل إلى مقاطع أو حروف ومحاولة نطق كل مقطع أو حرف على حده ويمكن عمل ذلك على شكل لعبة أو منافسة بين الأطفال ، وينبغي التنبه إلى ضرورة تعزيز تقدم الطفل بالثناء عليه وعدم الضغط عليه عندما لا يكون مزاجه جيدا للتعلم ، كما ينصح الآباء بتوفير مكتبة للطفل في البيت فيها شتى صنوف القصص والكتب المناسبة له ، كما ينبغي محاولة جذب انتباه الطفل حين التحدث إليه والاستجابة لجميع محاولاته للاتصال (اللفظية أو غير اللفظية)، ويجب تشجيع الطفل علي إصدار الأصوات والكلمات وتشجعيه بصورة دائمة علي محاولته للنطق ، ومساعدته في طرح الأسئلة عند طلب الأشياء وعدم الاستجابة الفورية لإشارته للشيء الذي يريده بل من الأفضل أن نسأل الطفل (ماذا تريد ؟ )، و حين يبدأ الطفل في زيادة الحصيلة اللغوية وإصدار جمل يجب زياده طول الجملة بشكل تدريجي (بإضافة كلمة أو فعل أو وصف) إلي الكلمة التي تم نطقها ، وأخيراً وكلما تعرض الطفل للتفاعل مع أسرته والأطفال من حوله كلما زادت حصيلته اللغوية ومعارفه والمهارات الاجتماعية لديه.

 

ولا ننس تأثير البيت الثاني للطفل على نمو لغته ونعني به المدرسة حيث تحمل معلمة الطفل في مرحلة التعليم المبكر على عاتقها مهام أساسية ترتبط بتنمية لغة الأطفال وذلك من خلال توفير خبرات متعددة للطفل تساعد الطفل على النمو المعرفي والعقلي ، وإثراء المحصول اللغوي للطفل عن طريق التحدث والحوار ، وتحفيز الأطفال على عملية التعليم من خلال الأنشطة المقدمة ، وبناء شخصية الطفل وتطوير مفهومه عن ذاته ، والسعي لتنمية المهارات اللغوية الأساسية الأربع لدى الطفل وهي مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة.

 

ولتنمية مهارات الاستماع لدى الأطفال على المعلمة أن تعمل على تعويد الطفل على سماع قصار السور من القرآن الكريم والحكايات والأناشيد المناسبة مع مراعاة التنويع في النبرات الصوتية ، كما ينبغي أن تقوم على تطوير مهارات الإصغاء والوعي الصوتي من خلال الاستماع إلى أصوات مختلفة و تعويده عليها ، ودعوة الأطفال لتنفيذ انشطة تتطلب الإصغاء لتوجيهات المعلمة ، وتقديم أنشطة تساعد على التمييز بين الأصوات المختلفة مثل أصوات الناس والحيوانات وأصوات الأشياء ، وتقديم بعض الألعاب التي تعتمد على الصوت للأطفال مثل تقليد الأصوات ومصاحبة الأصوات بالحركات المناسبة لها.

 

ولكي تكسب المعلمة الأطفال مهارات التحدث والتعبير يمكن أن توفر لهم الألعاب اللغوية  المحفزة على التعبير والحوار مثل تكملة الكلمة بحرف والجملة بكلمة وتأليف القصة الجماعية ، وتحفزهم على التنافس في حل الألغاز اللغوية التي تعتمد على تشابه الحروف ونهايات الكلمات ، كما تقوم بطرح الأسئلة وتتيح الفرصة للمناقشة والحوار وتشجع الطفل للتحدث عما يريد والتعبير من رغباته وتقديم رأيه ، كما تقوم المعلمة بتوفير مثيرات حسية للأطفال تحفزهم للتحدث كالصور والرسومات والألعاب والتسجيلات الصوتية وبرامج الحاسوب ، وتشجيع الأطفال على اللعب التمثيلي ، وتوفير زاوية أو فترة للأطفال للمطالعة والقراءة الجهرية.

 

وتعد مهارات القراءة ضرورية ضمن المهارات اللغوية الأساسية للأطفال تداوم المعلمة على تهيئة الفرص المتنوعة للأطفال لممارستها من خلال تقديم أنشطة قرائية تربط صوت الحرف بشكله ، كما يمكنها كتابة الحروف في بطاقات أو لوحات معها صور مناسبة ، وتنظيم ركن الاطلاع بشكل محبب ومحفز للأطفال ، وتقديم أنشطة القراءة التي تستدعي المشاركة بين الطفل والمعلمة مع تعويد الطفل على استخدام بصره وإصبعه في تتبع للكلمات ، كما يمكن أن تطلب المعلمة من الأطفال أن يجمعوا صورا من صحف لأشياء أو حيوانات تبدأ بصوت معين ، وتساعدهم على تجميع بطاقات الحروف مع صورها لجميع حروف الأبجدية لتكوين كتاب لهم.

 

ولكي تدرب المعلمة الأطفال على مهارات الكتابة ينبغي أن تحرص على تقديم أنشطة تساعد على التناسق الحسي- الحركي والتوازن لدى الأطفال ، وتوفير العاب الإدخال التي تتطلب عملا بالأصابع مثل تعبئة الخرز في خيط وتمرير الخيط في لوح به ثقوب ، وتوفير الأنشطة الفنية كالدهان والرسم والتلوين وألعاب الصلصال والطين والرمل، وتهيئة الركن التمثيلي  للأطفال بتوفير الألعاب التي تحتاج لكتابة قوائم مختلفة مثل قوائم الشراء  والمأكولات ، كما على المعلمة أن تدون أمام الطفل الأشياء التي يحكيها الطفل في دفتره ، وتوثيق الأنشطة التي يقوم بها الأطفال بصور مرفقة بوصف كتابي مختصر ، وهذه التجربة يمكن أن نستفيدها من ممارسة رياض الأطفال في فرنسا التي تقوم فيها المعلمة بتخصيص كتاب لكل طفل اسمه  ( كتاب الحياة ) : توثق فيه المعلمة بالتعاون مع الطفل وأسرته كل مراحل نموه اللغوي من خلال الانشطة التي يمارسها.

 

وفي هذا الصدد يمكننا استعراض نبذة عن منهج رياض الأطفال في فرنسا وحرصها على رعاية النمو اللغوي للأطفال في هذه المرحلة حيث أن كتاب ( ماذا نتعلم في رياض الأطفال Qu'apprend-on à l'école maternelle ? ) الذي ألفه وزير التربية والتعليم الفرنسي الأسبق ( جزافييه داركوس Xavier Darcos) وقدمه كدليل موجز للتربويين والمعلمين للأطفال، يؤكد فيه أن الهدف الأساسي من التعليم بمرحلة التعليم المبكر هو تقديم مفاتيح المعرفة للأطفال و إعدادهم للمجتمع الذي ينشئون فيه وتزويدهم بالمبادئ التعليمية واللغوية الأساسية التي تعينهم للانتقال بنجاح للمراحل التعليمية القادمة ، ويشتمل الكتاب على استعراض محتوى برنامج رياض الأطفال في فرنسا  المتمثل في : التهيئة اللغوية للأطفال و أساليب التعليم التي تأخذ بيد الطفل ليصبح تلميذاو تنمية مهارات التعبيرو طرق مساعدة الطفل لاكتشاف العالم من حوله و تنمية مهارات المشاعر والخيال والإبداع.

د. عامر بن محمد بن عامر العيسري

sebawaih2000@hotmail.fr

تعليق عبر الفيس بوك