لكي تصبح مسؤولا !

سيف بن سالم المعمري

ما أن ينتهي الطالب من دراسته في مراحل التعليم العام ثم المرحلة الجامعية الأولى إلا ويحدوه الأمل في الحصول على وظيفة تتناسب ومؤهله العلمي ومهاراته ومواهبه الشخصية، وبعد الوصول إلى حلمه ويباشر العمل في يومه الأول يرتفع معه سقف أحلامه للحصول على وظيفة أعلى، معلقًا حلمه في الطريق الذي يوصله إلى ذلك الهدف.

ربما تعلم ذلك الموظف قبيل دخوله إلى بيئة العمل الحكومي أن الكفاءة وروح المبادرة والاجتهاد والإخلاص، ومن ثم أقدميته ستؤهله إلى ما بدأ يحلم به في أولى خطواته إلى العمل وتطلعه لأن يكون ذات يوم في وظيفة قيادية، أو على الأقل في أن يكون محل تقدير ممن حوله في كفاءته المهنية والمثل السامية التي تعلمها في بطون الكتب ومطويات حقوق وواجبات الموظف التي يتغنى بها المسؤولون.

سأحدثك إن كنت تريد أن تصبح مسؤولاً فإن تلك كانت أحلام معظم الموظفين في مؤسساتنا ما يلبث أصحابها إلا أن تزول عن ناظريهم غشاوة الأحلام الوردية التي غرست في عقولهم ووجدانهم بأن الترقي الوظيفي لا يصل إليه إلا أولئك المثابرون المخلصون الملتزمون بمبدئي الكفاءة والأقدمية.

سأحدثك بأن أولئك الموظفين الذين انطوت بأحلامهم الأعوام ولم يستيقظوا من أحلامهم إلا بعد أن انتهت سنوات خدمتهم أو من ينتظر تلك اللحظة، ولم يدرك أولئك المتحمسون للعمل والمندفعون بروح المسؤولية وحب الوطن إلا متأخرًا أن بيئة العمل التي حلموا بها ما هي إلا وحل من المغامرات والتنازلات، وأن هناك موظفون كانوا يرغبون في طي أعوامهم عاماً بعد عام، فلم يلتفتوا إلا على لحظتي الحضور والانصراف من العمل، وبينهما عمل شاق يؤدونه ولا يرتجون منه إلا رضاء الله وحلال الراتب، وخدمة وطنهم، غاضين الطرف عن كل ما يدور حولهم من انتهاك صارخ لأقل المثل النبيلة في الوظيفة، وهم يَرَوْن صباح مساء ما يقوم به من تجاوزات سافرة من ولي مسؤوليات المؤسسة.

سأحدثك بأن غيرهم تفرس مبكرًا في بصيرة المسؤول الأعلى، ولم تطاوعهم أنفسهم أن يسلكوا الطريق الشاق الذي يوصلهم إلى أحلامهم، فكان بُعد الزمن عليهم متكأ، واصطادوا فريستهم التي طوعوها لتجلب لهم حظاً يحقق لهم أحلامهم التي عجزت عنها الكفاءة وروح المبادرة والاجتهاد والإخلاص التي لم يجيدوها، فعلموا بأنهم إن أرادوا أن يصبحوا مسؤولين فعليهم أن يلبوا ما يشتهي المسؤول الأعلى؛ فإن كان المسؤول الأعلى مخلصاً متفانياً حريصًا على مصلحة العمل، لن يشفع إلا لمن كانت خصاله ما يومن به هو من قيم ومثل سامية في العمل؛ فكان حظ أولئك الموظفين عاثرا، أما إن كان المسؤول الأعلى لا تهمه إلا مصلحته الشخصية ويضرب عرض الحائط بكل اللوائح والقوانين التي لا تتناغم مع مصالحه؛ فإن أولئك الموظفين سيكون حظهم حسب ما تفرسوا في مسؤولهم الأعلى، وامتطوا جميعهم الوظيفة لتحقيق أحلامهم.

سأحدثك بأن أحلام المسؤولين تتفق في غايتها وتختلف في وسائلها وأدواتها، وما أن تطأ قدما المسؤول المؤسسة إلا ويبدأ اقتياده إلى حيث توجد الغنائم، فلن يجد الموظفون الحالمون غضاضة في أن يسوقوا لمسؤولهم الأعلى الرغبة في امتلاكه لأراض وعقارات، ولن يبخلوا بخدمته في استكمال دراسته العليا وأغرائه بأنهم باستطاعتهم تطويع القوانين لمصلحة مسؤولهم الأعلى مصورين له علاقاتهم الحميمية بأشخاص أمثالهم في مؤسسات أخرى.

سأحدثك بأن من يرغب في أن يصبح مسؤولا عليه أن يتفرس في أوقات استرخاء مسؤوله الأعلى هل هي في الاستراحات أم مقاهي الشيشة أم العزب والسهر فيها ليلاً، أم السفر بين فترة وأخرى، وعليه ألا يترك لأحد غيره ملء فراغه وأوقات استرخائه.

سأحدثك بأن المسؤول الأعلى لديه يقين بأنه غير مراقب على تصرفاته، وإن تمت مراقبته، فلن يحاسب، وإن تمت محاسبته، فلن يضره شيئًا، ويقينه بناه على ما رآه في من سبقه من المسؤولين، سأحدثك بأن هناك من المسؤولين من ضيع الأمانة وقبلها ضيع حقوق الآخرين، ربما سيفلت من العقاب الدنيوي، لكن الظلم ظلمات، فالأمانة أبت حملها السموات والأرض حيث قال تعالى:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) سورة الأحزاب.

سأحدثك بأن تحافظ على سمو همتك، ونصرتك لوطنه، وتفانيك في عملك، مهما بلغت بك مقتضيات العصر، وسأحدثك بأنك على الطريق الصحيح الذي حلمت به منذ خطواتك الأولى إلى العمل وحتى هذه اللحظة، حتى وإن لم تصبح مسؤولا!

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

saif5900@gmail.com