تجريف البحار والجبال والمعادن.. غفلة أم غفوة؟!

 

حمد العلوي

هل توقظ حادثة التليفزيون العُماني مع الصنف الأخطر من صنوف الوافدين غفلة الحكومة، أهو فعلاً تغافل أم هي غفوة منا؟ أم سننتظر حتى تقع الفأس في الرأس؟! ويستفحل أمر هؤلاء القوم، الذين وجدوا لهم بيئة خصبة في محيط قوم فضَّلوا الدعة والنوم، والرضا بالمال اليسر مع قلة العمل، وحينذاك نبدأ نعمل على ردة الفعل مثل كل مرة، ونرمي بالتهم جزافاً يُمنة ويسرة، ونبطش بغير هوادة في من أرخينا لهم الزمام بأنفسنا، حتى أصبحوا يشكلون تجمُّعات مخالفة للقانون، هذا القانون الذي لا يطبق نفسه بنفسه، وعندئذ يخرج علينا المنظرون -كل برواية من نسج خياله- وما أسهل الأمر على المتسفِّرة في التحكيم والتنظير، ويقصد بالمتسفِّرة أولئك الذين يحطون المصَر على الرأس مع بعض الميل على الحاجب، ويقعدون في ظلة الرايح يوزعون قيم الوطنية بالمجَّان على الغادي والرايح.

إن واقعة صيَّادي بحر العرب مع التليفزيون العُماني، قد قرعَتْ ناقوس الخطر على إهمالنا الشديد، وحسن الظن المُبَالغ فيه مِنَّا كعُمانيين، وأظهرت جلياً لنا أن الوداعة والدعة الزائدة عن حدها، ليست في صالح أحد مِنَّا، وإن طغيان المصلحة الفردية، قد تخطت مصلحة الوطن.. وأمنه القومي، وإن الدُّعاء الذي طلبه الصَّحابيُّ الجليل مازن بن غضوبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل عُمان، وذلك بمباركة ميرتهم من بحرهم الذي ينضح بجانبهم، قد ذهب ريعها في بطون الوافدين، والشركات الأجنبية، وإن المواطن العُماني يبحث اليوم عن "خنصر عوال" فلا يجد، فما بالك بالرُّوبيان والشَّارخة أو سمكة كنعد، فهي أشياء أصبحت متعسرة على المواطن العادي، في ظل إمبراطورية أبو (...) الذي أصبح الآمر الناهي في تلك المنطقة، وله وجاهة وحظوة حتى مع علية القوم خاصة في المنطقة تلك، ولا ينقصه إلا أن يرفع بنديرة، أما الحراسة فقد وفرها له أبناء جلدته الأوفياء له، ويتشرف البعض باتخاذ صورة إلى جواره بكل تواضع منه.

إن هذا التجريف الجائر لم يتوقف عند ثروة وغلال البحر، وإنما شمل الصخور والجبال والمعادن، والنيازك التي تنثرها السماء على أرض عُمان، والقطع الأثرية، والمزارع بكافة أنواعها، ولم يسلم جنزنا الذي يقع في قمة واد، ما كان أحد يصل إليه إلا مشياً على الأقدام، فأخذ منه "تفق الرومي" وقطَاعة المحزم للمرحوم الوالد، وحتى جرّْ المقرومة شلوه، وقد أصبحت كل هذه الأشياء في أيدي الوافدين، ونحن الزاعمون بالوطنية، لا نجيد إلا البُكاء على الأطلال، واقتصادنا الذي يلهث وراء برميل نفط يصعد يوماً وينزل عشرات، وسنموت جوعاً وأعيننا معلقة ببرميل النفط، وإن راسمي الخطط الإستراتيجية للدخل الوطني، قد أصابتهم غشاوة على أعينهم عن تلك الثروات الكثيرة، ولكن هذه العيون ذاتها قد وجدت ضالتها في القريب السهل، ألا وهو جيب المواطن الذي أعيته الحيلة، وقد تثقبت جيوبه من كثرة الرسوم والغرامات، والفواتير المتنوعة والمتعددة، حتى أصبح الراتب الشهري لا يلاقي الشهر الذي يليه. أما ثروة البلاد فقد أصبحت مالاً مُشاعاً للكل، ويقصد بالكل هنا العُماني وغيره.

لقد كان القائد جلالة السلطان قابوس -حفظه الله وأبقاه- وسيظل، مضرب المثل في البذل والعطاء، والإخلاص في العمل لرفع شأن عُمان عالياً، وكم كنا نتمنى نحن المواطنين أن يأخذ كل المسؤولين في الدولة، ولا أقول الحكومة وحدها، أن يأخذوا قدوتهم من هذا القائد الفذ العظيم، الذي أفنى العمر في الرقي بعُمان، والاهتمام بسعادة شعبها، والسير به إلى أعلى مراتب المجد والتطور، ولكن للأسف الشديد استطاعت قلة منهم، أن تفهم النهج القابوسي المفروض اتباعه، أما العدد الأكبر فقد أتقن محاكات ما ليس مطلوباً منهم، ألا وهو تقليد البروتكولات والمراسم السلطانية، فلو أن كل مسؤول مثَّل صاحب الجلالة فقط في تحمل المسؤولية، وفي الإبداع والتضحية من أجل الوطن، والتخطيط الجيد والتنفيذ السليم للأهداف العامة، لوجدنا خيرات النهضة تعم كافة أرجاء الوطن، أمَا وقد استغل البعض الوطن لينمِّي تجارته ويوسعها، وما فاض ريعها فاض إلى الخارج وليس الداخل، حتى أصبحت المجمعات التجارية الضخمة ملك أشخاص غير عمانيين، ومعظم تسهيلاتها وربما كلها من البنوك العُمانية.

إذن؛ لو عمل الجميع بالواجب الوطني المتصور منهم، لوجدنا عُمان تُصدِّر من إنتاجها أكثر مما تستورد، والأمر المعيب حقاً أن نستورد الماء والحليب والتمر والخضار من دول الجوار، وقد كنا قبل النهضة نُصدِّر ثمار المزروعات على الأقل إلى دول الخليج والبصرة والهند؛ الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل النهضة وما أتت به من رفاهية قد خدَّرت الهمة وأضعفتها في نفوسنا؟!

لقد انتشرت بنوك التنمية وصناديقها في البلاد، ولكننا لم نقف على مشاريع ناجعة ناجحة، تمثل قدوة ووسيلة جذب للآخرين، هل تعرفون ما السبب؟! إذن السبب يكمن في ضعف المتابعة والاشراف، وكذلك فقدان مظلة الحماية من الخسارة والفشل؛ فالناس بين خائف من الفشل بسبب ضعف الخبرة، أو بسبب منافسة الوافدين الظالمة لهم، فقد أصبح الوافدون ينافسون المواطن حتى على دكان في مسجد، ويرفعون سعر الإيجار، تُرى كيف يفعلون ذلك ولا نفعل مثلهم؟ إنهم يفعلون ذلك بقوة الدَّعم الذي يلقونه من اللوبي الداعم لهم، وهذا ما يجعل تجارة المواطن تتعثر وتبور بسرعة، فهو لم يتعلم الصبر، ولم يتعرف على دهاليز التجارة.

ونحن مهما كررنا وطالبنا هذه الجهات التي تنفق الأموال الطائلة بإنشاء جمعيات أهلية لكي تخرِّج تجاراً عمانيين محميين من المخاطر، فلا يسمع لنا المسؤول قولاً، فقط لأن الفكرة لم تكن نابعة من عقله النير، وأمام هذا الإصرار على "التطنيش" من أصحاب الحل والربط، سيظل الوافدون في توحش مستمر، ويتطاولون ليس على الاقتصاد الوطني فحسب، وإنما حتى على هيبة الدولة ومكانتها، وهنا لا أطالب بردة فعل وقتية، تجرف المجرِّفين الوافدين؛ لأننا ببساطة لا نستغني عن خدماتهم، لكن نريدها مروَّضة بقوانيننا المحلية، والذي أطالب به هو التنظيم والاستمرار فيه، ومراقبة ورعاية النظم المحلية، والحرص على سيادة القانون في كافة ربوع الوطن.. حفظ الله عُمان وشعبها الأبي وسلطانها الحر الكريم.