حينما يكون المسؤول ذهباً!

سلطان الخروصي

"لو أن بغلةً في العراق تعثرت لخشيت أن يسألني الله عنها، لِمَ لم تُفسح لها الطريق يا عُمر".. كلمات وضاءة يسطرها التاريخ عن المسؤولية وأدبياتها الحقيقية في النهج البشري السوي؛ إذ تشكل المسؤولية الوظيفية أحد روافد الإنتاج، ومنبعا أساسيا في جودة الخدمات والبذل المتكامل الذي تحصل عليه المؤسسة من موظفيها؛ فتقدم كل ذلك على طبقٍ فاخرٍ للمستفيد، فحينما تجد أن المؤسسة تعمل كخلية النحل بدءًا من المسؤول وانتهاءً بخدمة المراجعين، تستقبلك بعنفوان الابتسامة والتسابق المحموم مع الزمن للإنجاز، فإنك بذلك تشعر بقيمتك وبرقي المؤسسة فتلمس سعيها نحو التنافسية والجودة.

إلا أن كثيرا من المؤسسات الحكومية -الخدمية منها بالأخص- "تتسحلف" في إنجاز ما يمكن أن يضيف رقماً اقتصاديا ومعرفيا وإنسانيا في بناء منظومة الدولة العصرية، والمتتبع لحيثيات هذا الركود يجده قائماً على زوايا محددة يمكن إصلاحها بالتدوير والمحاسبية، فحينما تجد موظفاً مهمته نسخ وطباعة الأوراق يتعامل معك وكأنه مدير عام أو أحد أصحاب المعالي والسعادة، فثق أنك تدور في حلقة مفرغة، قوامها "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"، فمثل هذه التصرفات تنذر بوجود ثغرات حقيقية تختزل إنتاجيات وإنجازات المؤسسة، ومثل هذه الظواهر لابد من تقويمها وتصحيحها في سبيل الصالح العام، وهنا نطرح سؤالا جوهريا: هل مثل هذه التصرفات ذات  طابع شخصي، أم هي انعكاس تفصيلي للمسؤول وتصرفاته وفكره؟

هناك بعض المؤسسات الحكومية تجد فيها المسؤول يستقبلك بحفاوةٍ فيما يخص مؤسسته وإنجازاتها أو قصورها، بل ينتظر منك المقترحات والحلول، وشخصيا تعاملت مع البعض منهم -سواء بالاتصال الهاتفي، أو الترحيب في مكاتبهم العامرة بالإنجازات الحقيقة وليست الهلامية- لكن وفي الضفة الأخرى، تجد البعض منهم يجعل من نفسه "ذهباً" لا يمكن للجميع أن يرى بريقه ولمعانه الملائكي إلا الطبقة المخملية المحيطة به، فلا يضيره أن تتعطل مصالح الوطن والناس وفق النمطية السمجة في التعامل مع المواضيع العاجلة منها والآجلة، وشخصيا حاولت قرع أبواب كثيرٍ من هؤلاء "الذهب" بحكم قناعاتي أن لا أكتب إلا ما أراه وأسمعه فأقوله، فحينما تتحكم البيروقراطية والانتقائية فيما يخص الصالح العام، فإن في ذلك مفسدة وتعطيلا لمصالح الوطن، فهل من المنطق أن تركل عشرات المعاملات العاجلة منها والآجلة في الأدراج دون اعتبارات أخلاقية أو إنسانية أو مهنية؟ وهل من الجودة في الأداء حينما تود مقابلة مسؤول بعينه لأمر يخص مؤسسته يتلون عليك الموظف تلو الآخر حتى لا تتاح لك مقابلته، وكأنك بذلك تنتهك حرمات الإله "عشتار"، وتدخل المحسوبية والوظيفية ليقال لك: "قابل فلان حتى يرتب لك الأمور"؟ وهل من المهنية والإنصاف أنك تتغنى بالجودة في الإنجاز وعشرات المئات من المعاملات يغص بها نظام المراسلات، والذي اشتعل رأسه شيباً من التكدس دون البت فيها؟

إن المسؤول الناجح هو من يفرش على بلاط مؤسسته راحتيه ليحمل المراجعين على أكف التميز والتطوير؛ فيسعى لتكون عمان رقمية بحق كما أرادها عاهل البلاد -حفظه الله ورعاه- والذي جيش المال والفكر والدعم الدائم لتحقيق هذه الغاية النبيلة، فأي مؤسسة هي بحاجة ماسة لثقافة المسؤول الذي يزين مكتبه بجملة "سيد القوم خادمهم" فيشنف أذنيه ليستمع، ويزرع قلبه للآخرين فينبت كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في سماء الوطن، هي بحاجة للمسؤول الذي يفتش تحت كل حجرٍ عن المبدعين والمتميزين وأصحاب الفكر المعتدل المستنير ليجعلهم شموعا تحت قبة مؤسسته تنير له غياهب الشبهات ويفخر بهم، ويجعلهم صناع القرار معه، هي بحاجة للمسؤول الذي ينجز ولا يعطل، ويبدع فلا يكسل، ويخالط الفكر المنفتح فلا يتحجر، ويبسط راحتيه لخدمة موظفيه فلا يقبضها لتدميرهم، ويجعل من نفسه بشراً يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق كباقي البشر فلا يجعل من  نفسه "ذهباً" فينادي في الناس "لا مساس"... حفظ الله عُمان والسلطان، وألبسهما ثوب العزة والفخر والسعادة

sultankamis@gmail.com.