لماذا الكتابة للطفل؟!

عزيزة الطائي

إن القراءة عند الطفل تعد أحد مفاتيح الحصول على المعلومات والمعارف من مصادرها الأولية، كما أنها أحد الأساليب السهلة في تنمية ميول التعلم الذاتي. فبها تزيد معرفته، ويتسع أفقه؛ فيتصل بتراث أمته ويتعرف على ثقافات الأمم الأخرى، وبها يمد جسورًا لما يجري حوله في مجالات الحياة والعلوم المختلفة. وحتى تنمو هذه الميول والاتجاهات، لا بد من تعود الطفل على القراءة والبحث عن المعلومة منذ الصغر؛ لتصبح عادة لا يستغني عنها تلازمه، وترافقه في مسيرة حياته، وتمكنه من صقل شخصيته، وتدعمه عند بناء أفقه ليكون مطلعًا بصيرًا بكل ما يحدث حوله في العالم.

ودافعية الإقبال على القراءة مشكلة تعاني منها الكثير من الأسر في مجتمعاتنا، ونحن لا نستطيع الجزم كتربويين أو مسؤولين بأننا تغلبنا على هذه المعضلة ونجحنا في إيجاد جيل قارئ، إلا إذا لاحظنا سلوكًا إيجابيا من الطفل، متمثلًا في البحث أو السؤال عن كتاب ما، والإقبال على قراءته من تلقاء نفسه. ذلك إن عدم توجه الطفل إلى البحث عن الكتاب، والحرص على اقتنائه وتصفحه وقراءته إشارة خطيرة لابد الأخذ بها بعين الاعتبار والوعي، فقد أظهرت العديد من الدراسات والبحوث في أدبيات الطفل العربي أن هناك إشكالية كبيرة وهي العزوف عن القراءة؛ وبصرف النظر عن الأسباب والمؤشرات علينا توجيه الطفل إلى أهمية الكتاب. وهذا كله لن يتأتى إلا بإيماننا بحاجة الأطفال إلى إصدارات أدبية مختلفة لتغذية جوانب تفكيرهم، وصقل مهارات الحوار البناء، والتفكير الناقد، وتوجيه حاجاتهم وميولهم بما يتناسب مع اتجاهاتهم وميولهم لتأسيس رؤاهم المستقبلية؛ فيصبح الكتاب وسيلة من وسائل التعلم والتثقيف بالتسلية والمشاركة في الخبرة، وطريقًا لتكوين العواطف السليمة، وتنمية المشاعر الوطنية الصادقة، وأسلوبًا يقفون به على الحقيقة ويكتشفون مواطن الصواب والخطأ في المجتمع، ويتعرفون طريق الخير والشر في الحياة، وسبيلًا لتوجيه أنواع الخيال وفنون الكتابة لديهم، ليستشرفوا عالما باتت المعرفة فيه متجددة متنوعة، والتقانة العلمية متغيرة متسارعة؛ مما يحقق التوازن النفسي والفكري الذي ننشده لأطفالنا في مراحل نموهم المختلفة؛ ليواجهوا طبيعة الحياة وما تفرضه عليهم بيئتهم وعالمهم المحيط بهم بموضوعية واقتدار. ومن هنا، كان الاهتمام "بأدب الأطفال"؛ باعتباره من أقوى الدعامات في بناء الإنسان، وفتح منافذ المعرفة أمامه.

أصبحت مرحلة الطفولة في عصرنا الحديث مهمة، فلم يعد الطفل كائنًا في طريقه إلى المراهقة، فكل خبرة من الخبرات التي يمر بها تتصل به اتصالًا وثيقًا. ومن هنا، تأتي أهمية الكتابة للطفل، وتنمية حب القراءة لديه، وتوجيهه لاستثمار وقت فراغه بين المتعة والدرس، بين اللعب والقراءة.. تحضرني في هذا المقام مقولة لـلكاتب الإنجليزي دوجلاس آدمز (Douglas Adms) يرى أن "الكتابة عمل سهل، فليس عليك إلا أنْ تحدق في ورقة بيضاء، إلى أنْ تنزف جبهتك" يبدو لي هذا الربط بين حاسة النظر والورقة البيضاء متناسقة جدًا مع التفكير، وإعمال العقل الذي يقودنا إلى سؤال كبير، ما معايير الكتابة للطفل في كل مرحلة، وعصر؟!

يأتي دور "أدب الأطفال" بما يحويه من أجناس أدبية ذات المغزى التثقيفي، والتربوي، والترفيهي، والوطني، والإنساني من: مقالات وقصص وأشعار وأناشيد وحكايات ومسرحيات وألغاز وطرف وأخبار وسير في صيغة كتاب أو مجلة أو حكاية مسموعة أو مشاهد مصورة تستلذها ذائقتهم؛ كون أدبيات الطفولة تعد حقلًا مهما لتنمية قدرة الطفل على الإبداع والابتكار والتكيف، ووسيطا تعليميا تربويا، ووسيلة لتنمية القدرات الذهنية، وعنصرًا فاعلًا في إذكاء الجانب المعرفي، وعاملًا مهما في استقرار الجوانب النفسية لديه. ويمكن القول: إن أدب الطفل بشتى أنواعه ومعارفه يتيح للطفل الشعور بالرضا، والثقة بالنفس، والإقبال على الحياة، والتطلع إلى المستقبل. ويؤهله لكي يكون إنسانًا إيجابيًا في المجتمع، قادرًا على فهم التطور البشري بأسلوب أفضل، فيقبل على ألوان الأدب إنصاتًا وقراءة وسماعًا وتحدثًا.

إن إيلاء الإصدارات الأدبية التي تقدم للأطفال أهمية وعناية من أهم العناصر في تكوين ثقافتهم، وصقل شخصيتهم في مراحل نمائهم؛ فالأطفال أثناء نموهم العقلي يبدؤون في التعرف على الحياة على أساس أن خبراتهم الماضية سبيل لفهم أعمق للحاضر. ومن ثَم، تكون إصدارات الأطفال المتنوعة ذات المغزى التربوي الهادف أقوى سبيل يعرف به الأطفال الحياة بأبعادها الماضية، والحاضرة؛ وحتى المستقبلية.

ومن الأهمية أنْ يعي الكاتب أنه طالما ولج الكتابة للأطفال قد دخل مرحلة في الكتابة بين السهولة والصعوبة، وأنه وضع قلمة وفكره بين الماء والنار؛ كون الكتابة في أدبيات الطفولة -كما يراها علماء النفس- ليست كلمات وحروفًا مزخرفة، وليست تعابير إنشائية منمقة، فالكلمة رسالة وقضية ومن ثَم فهي فن.. هي رسالة لأنها تحوي مضامين تربوية وأخلاقية وتثقيفية ورمزية، وهي قضية لأنها ملتزمة بالمبادئ والمعايير والقيم والحاجات التي تنشدها الطفولة، وهي فن كون الكلمة لها قدرتها العجيبة على إعادة صياغة الواقع في جو سحري مشبع بالخيال يستلذه الطفل، ويحلق معه؛ فالحياة بالنسبة للصغار قصة طويلة محبوكة على شكل قصص صغيرة تصغر وتصغر كلما اقتربنا من نقطة المركز، وعندما يغدو الأطفال كبارًا لا ينسون ذلك كله؛ بل يبقى حبيسًا في أعماق نفوسهم وذاكرتهم إلى أنْ يأتي الوقت فيعبرون عنه إما بالكلمة أو بالكتابة.

وكما أن الإنسان بحاجة إلى الغذاء والماء لكي يعيش، فهو بحاجة إلى الكلمة التي تعطيه معنى الحياة، ولا يكون الطفل صحيح الجسم والبدن بالتغذية الجيدة فقط، بل هو في حاجة أيضًا إلى من يهمس في أذنيه ويغذي مشاعره بكلمات مؤثرة وجميلة، ويوفر له مجالات المعرفة والخيال، التسلية والمغامرة، فالطفل إنسان صغير لديه الرغبة في معرفة أسرار العالم ورموزه بأساليب متنوعة، وحكايات تخاطب قلبه وعقله.

الكتابة للصغار عمل شاق؛ لأنه ليس هناك مجال للمهادنات والمجاملات. فالأطفال يستغنون في قراءتهم عن الكثير، والذي يجذبهم هو الأسلوب والقالب والخيال الذي كتبت به القصة، أو العمل الأدبي ضمن عالمهم الخاص بهم. فهل بإمكاننا أنْ نحقق أهدافنا في الكتاب الذي يخدم قطاع الطفولة، ونرى ما نطمح إليه على أرض الواقع بجلاء؟!

إن الأمر الذي يعاني منه قطاع الطفولة هو غياب التنسيق العام بين الجهات التي تعمل في هذا المجال، والجهود الصغيرة مهما نضجت وتميزت فإنها تضيع وتتبعثر وسط الكم الكبير من الأنشطة. فمن الضرورة بناء إستراتيجية واضحة المعالم، تحدد طبيعة الأهداف، والإمكانات المطلوب أنجازها في كل مرحلة على حدة، وتقضي على مسألة الازدواجية والتداخلات التي تضر بمستوى البرامج والأنشطة المعمول بها، والأهم تبني الأقلام التي لها تكتب في شتى أنواع أدبيات الطفولة وتنوعها، والأخذ بيدها وتشجيعها.