علاقات عمان بإقليمي السند وميسور (1783ـ1804)

د. صالح بن عامر الخروصي – سلطنة عُمَان

 

تعود العلاقات العمانية الهندية إلى عصور قديمة يصعب تحديدها وذلك بحكم القرب الجغرافي بين عمان وشبه القارة الهندية. ورغم وقوع الهند تحت الهيمنة البريطانية بشكل تدريجي منذ مطلع القرن السابع عشر الميلادي إلا أن بعض أقاليمها حافظت على استقلالها لمدة ناهزت قرنين من الزمن بعد ذلك التاريخ، وسنتطرق في هذا المقال للعلاقة بين عمان وإقليمي السند وميسور.

أ- العلاقة مع السند:

يقع إقليم السند في شمال غرب الهند، وتعتبر طائفة الباتيا أحد أهم طوائف السند التي ارتبطت بعلاقات تجارية وثيقة مع عمان، وكانت عاصمتهم مدينة (تاتا TATA) تعتبر الشريك التجاري الأساسي لمسقط خلال حقبة السيطرة البرتغالية على المنطقة في القرن السادس عشر ميلادي،وكانت تاتا مركزاً تجارياً هاماً بين المحيط الهندي وآسيا الوسطى قبل ظهور البرتغاليين في المنطقة. ورغم الصعوبات الكبيرة التي واجهت القوى المحلية إبان العهد البرتغالي إلا أن تاتا استمرت في نشاطها التجاري، واجتمعت فيها طوائف متعددة من الصيارفة وباعة الحبوب والتجار في مختلف الميادين. وكان من بين الأصناف التجارية التي تصدرها أنواعا متعددة من الأقمشة الحريرية والقطنية والصوفية بالإضافة إلى السكر. وقد عمل الباتيا في خدمة السفن البرتغالية، وظهرت منهم فئة عرفت بالبانيان كانت لهم صلات تجارية وثيقة بمسقط، ويعتقد أنهم أول طائفة من هنود السند الذين استقروا في مسقط. وتذكر المصادر العمانية أن اثنين من البانيان كانا وكيلين للحامية البرتغالية في مسقط،أحدهما يسمى سكبيلة وكان مقرباً للغاية من القائد البرتغالي والآخر يدعى نروتم، ولكن العلاقة الجيدة التي ربطت بين الطرفين شهدت توتراً بنهاية المطاف،إذ رفض سكبيلة الطلب الذي تقدم به القائد البرتغالي للزواج من ابنته، مبررا رفضه باختلاف الديانة ولكن القائد البرتغالي أصـّر على طلبه وهـّدد بأخذها قسراً، وعندها اتصل البانيان باليعاربة الذين كانوا يحاصرون في ذلك الوقت مسقط بعد أن حرروا المناطق والمدن العمانية الأخرى من البرتغاليين، وقدّم البانيان مساعدتهم لليعاربة الذين حرروا مسقط عام 1650م.

وبالرغم من المكاسب التي حصل عليها الباتيا إلا أنهم واجهوا مجموعة من التحديات، فقد أدى طرد البرتغاليين من المحيط الهندي خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر إلى تدهور المركز التجاري البرتغالي في المنطقة، وانتعاش المراكز التجارية البريطانية في سورات وبومباي، كما أن قيام الدولة البوسعيدية في عمان وإشرافها على تجارة الخليج العربي أضعف من العلاقات المباشرة بين الباتيا وهذه المنطقة، هذا فضلا عن العلاقات التجارية المباشرة التي ربطت عمان في عهد حمد بن الإمام سعيد مع الأفغان، وضاعف من الأمر أن نهر السند غيّر مجراه، ووجدت تاتا نفسها على بعد خمسة أميال عنه مما أدى إلى فقدانها طريق التجارة الذي كانت واقعة عليه، وأجبر بعض سكانها على النزوح إلى مدينة جديدة هي كراتشي، واستفاد من الوضع جيرانهم ومنافسيهم سكان كوتشي.
يعود معظم الفضل في التوسع التجاري للباتيا الكوتشى إلى حاكمهم جودجي الثاني GODJI (1760 – 1778) الذي طوّر كثيراً من صناعة السفن في ماندفي MANDVI بعد الخسائر الزراعية الفادحة التي لحقت بالمنطقة جراء السدود التي بنيت على نهر السند. وإبان عهد هذا الحاكم تزايد ظهور الباتيا الكوتشى في مسقط، وأصبحت لهم الغلبة على الطوائف الهندية الأخرى، وكان من عوامل ذلك أنهم لم يدخلوا في تنافس تجاري في بداية الأمر مع البوسعديين، بل اقتصرت أنشطتهم على القيام بأعمال الملاحة. ثم بدأوا بنقل بعض منتجات كوتشى كالمنسوجات القطنية وبعض منتجات بومباي وكوجرات إلى ميناء مسقط ، حيث تباع للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي ووكلائه في مسقط.

كانت أسعار بضائع الباتيا الكوتشي أقل من أسعار بضائع منافسيهم الهنود الآخرين، ولاسيما الباتيا من أهل السند الذين اضطروا إلى مغادرة مسقط باتجاه البحرين حيث نشطوا في تجارة اللؤلؤ. وقد أدى استقرار الكوتشى في مسقط ونمو مجتمعهم التجاري إلى تمكنهم من التأثير على الحياة الاقتصادية، لاسيما أن حالة الأمن والحرية الدينية في عمان منحتهم استقراراً اجتماعياً ملحوظاً.

عندما تولى السيد سلطان زمام الأمور في عمان بعد وفاة حمد ابن أخيه الإمام سعيد عام 1792 سار على نفس الخط الذي سلكه والده في الحفاظ على علاقات طيبة مع الأقاليم الهندية، موازاة مع أتباع سياسة الحياد مع كل من بريطانيا وفرنسا، وفي هذا الشأن قام بزيارة إقليم السند، وحصل من خلالها على تعهد من نظيره السندي بإرسال 30.000 مند  من الملح الصخري سنويا إلى مسقط. و رغم الأجواء الإيجابية التي سادت العلاقات العمانية السندية إلا أنها شهدت تعكرا  بسبب استيلاء بعض القراصنة السنديين على سفن تابعة للسيد سلطان، وكان إقليم السند في تلك الفترة مهددا بالاجتياح من قبل الإدارة البريطانية المتمركزة في بومباي التي كانت تحاول خلق الذرائع في ظل عجز حكام السند عن توفير الأمن لمواطنيهم  .

ب- العلاقة مع إقليم ميسور:

يقع إقليم ميسور في جنوب الهند ، وكان حيدر علي والد تيبو سلطان الذي حكم خلال الفترة 1761 – 1782 قد بسط سيطرته على ساحل مالابار الذي يضم موانئ معروفة منها مانجلور وكالكو.  وقد جمعت علاقات الصداقة والتعاون بين حيدر علي والإمام أحمد سعيد البوسعيدي بعد أن شهد التبادل التجاري بين بلدهما نمواً متصاعداً ، قام بمقتضاه الإمام أحمد بتعيين وكيل تجاري يمثل عمان في ميناء مانجلور. وقد تعرضت بعض السفن العمانية لاعتداءات القراصنة الهنود في المحيط الهندي، مما جعل الإمام أحمد يجهز حملة بحرية استطاعت بالتنسيق مع قوات حيدر علي أن تضع حدا لعمليات القرصنة تلك  

وبعد وفاة حيدر علي خلفه في الحكم ابنه تيبو صاحب  (1782 – 1799) الذي بادر إلى تعزيز علاقاته التجارية مع عمان، فبعث من طرفه مقيما تجاريا ليتولى إدارة وكالته التجارية في مسقط  في أبريل 1786. وشهدت العلاقات التجارية بين البلدين مزيدا من النمو،ومن ذلك توفير تسهيلات للسفن في موانئ البلدين،وعقد اتفاقيات تجارية، كما خفضت إدارة مسقط نسبة الضرائب على تجار ميسور من 10 % إلى 6% ، وفي المقابل تم تخفيض الرسوم الجمركية على التجار العمانيين في الموانئ التابعة لتيبو إلى النصف مقارنة بعهد والده.

كان من المتوقع أن تشهد العلاقات بين عمان وميسور نمواً كبيراً في عهد السيد سلطان لا سيما في الجوانب التجارية، إلا أن تلك التوقعات تلاشت بسبب حالة العداء التي جمعت الإدارة البريطانية في الهند بإقليم ميسور، مما جعل تيبو سلطان يرتبط بعلاقات وثيقة مع الأعداء التقليديين للإنجليز ألا وهم الفرنسيون الذين أمدوه بالخبراء العسكريين، وعندما غزا نابليون بونارت مصر بعث إلى تيبو  برسالة بواسطة السيد سلطان يعلمه فيها بوصولـه إلى مصر واستعداده لغـزو الهند، إلا أن رسالة نابليـون إلى السيد سلطان وقعت في يد الإنجليز، كما أن فرنسا فشلت في الوصول إلى الهند بعد هزيمتها أمام الأسطول البريطاني في خليج أبي قير في مصر. وقد استشعرت الإدارة البريطانية في الهند خطرا محدقا من جراء الاتصالات بين ميسور وفرنسا، وبدأت في تضييق الخناق على ميسور التي بذلت من طرفها محاولات لعقد تحالف مع الدولتين الفارسية والعثمانية دون أن تكلل بالنجاح، وكانت رسل تيبو صاحب إلى تلك الدولتين تمر عبر ميناء مسقط، وكان المقيم البريطاني في البصرة يوافي حكومة بومباي بتقارير يرصد من خلالها تحركات أولئك الرسل.

لقد حظي مبعوثو تيبو صاحب برعاية السيد سلطان الذي أبدى تعاطفه معهم، وقد استمر في استقبالهم وتسهيل مهامهم  رغم أن القوات البريطانية احتلت إقليم ميسور بشكل نهائي في معركة فاصلة حدثت في العاصمة سرنجاباتام في مايو 1799 سقط  خلالها تيبو صاحب قتيلا.

تعليق عبر الفيس بوك