خرافات حول التربيّة الأخلاقيّة

د. أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
مستشار مؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع


يعد الوالدين أقوى مدرب أخلاقي لأطفالهم، لكنهم غالباً لا يستخدمون مصدر تأثيرهم بسبب بعض مفاهيم التربية الخاطئة أو الأفكار المغلوطة أو الخرافات التي تحول دون قيامهم بدور فاعل في تنمية العقل الأخلاقي أو الذكاء الأخلاقي. وفيما يلي مناقشة لبعض هذه الخرافات:
الخرافة الأولى: (يتطور الذكاء الأخلاقي بشكل طبيعي أو تلقائي).
فمن المؤكد أن الأطفال لا يولدون لديهم  ذكاء أخلاقي؛ فالذكاء الأخلاقي يكتسب من خلال التعلم والتنشئة. يفترض الآباء والأمهات في كثير من الأحيان أن الأخلاق تتطور بشكل تلقائي طبيعي، وهذا الاعتقاد خطأ جوهري. ولضمان اكتساب الأطفال عادات وقيم ومعتقدات أخلاقية قوية، يجب على المربين أن ينمذجوا بشكل مقصود والعادات التي يتألف منها "الذكاء الأخلاقي"، ويعلموها وتعززوها للأطفال. وإذا لم نفعل ذلك، فليس من المحتمل أن يكتسب الأطفال هذه الأخلاق، وسوف يكونون بذلك قدر تركوا الأطفال عزَّل لمواجهة طيف واسع من المؤثرات.
الخرافة الثانية: (الجينات هي التي تحدد كل شيء عن كيفية نمو الأطفال).
يتفق غالبية العلماء أن هناك بعض "الجينات" لا يمكننا أن نفعل شيء حيالها، مثل التركيبة الجينية الخاصة بالشكل أو المزاج العام. ولكن حتى تلك الجينات ليست محفورة في الحجر. وجدت دراسة مدتها 12 سنة على 72 من الأقران المراهقين المرتبطين وراثيا أن ميولهم أو نزعاتهم البيولوجية يمكن أن تكون أما محفزة أو معيقة اعتماداً على كيفية استجابة والديهم لهم. إن الوراثة ليست قدرا لا مهرب منه إذا أدرك الآباء أن جزءاً كبيرا من الهيئة التي سيصبح عليها الأطفال يكمن في كيف يربون أطفالهم. والخطوة الحاسمة الأولى أن يدرك الوالدين أنهم يحدثون فرقا جوهريا في تشكيل شخصية أطفالهم.

الخرافة الثالثة: (تُحدَّد المعتقدات الأخلاقية في سن المراهقة المبكرة).
تؤكد البحوث أن النمو الأخلاقي عملية مستمرة تمتد على مدى عمر أطفالنا، وأن سنوات المراهقة عند الأطفال بحاجة إلى توجيهات الكبار حول الخيارات الأخلاقية الصعبة أكثر. لذا فإن السعي إلى بناء الأخلاق يجب أن تكون عملية مستمرة، ولا تتوقف خلال تلك السنوات في سن المراهقة، حيث كثيرا ما يعتقد الآباء خطأ بأن النمو الأخلاقي لأطفالهم قد توقف.

الخرافة الرابعة: (يتأثر نمو الأخلاق لدى الأطفال بالأقران أكثر من الآباء والأمهات).
تقرر العشرات من الدراسات، بما في ذلك منها بالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال- أنه بينما يحدث الأقران تأثيرات معنوية هائلة، فإن تأثير الآباء على أطفالهم في القضايا الأخلاقية الأكثر أهمية مثل الدين والقيم. ويجب أن يدرك الآباء أنهم يمكنهم التأثير في مسار النمو الأخلاقي لأطفالهم متى أمكنهم أن يكونوا على علاقة أوثق بهم، وإذا اختاروا أن يرعوا الأخلاق. فقط سوف يكون للأقران تأثير أكبر إذا سمح الآباء لهم أن تكونوا كذلك. ولا يسع الآباء اليوم أن يقعوا في هذا الخطأ.

الخرافة الخامسة: (الأطفال الأذكياء سوف يصبحون أذكياء أخلاقيا).
لا يضمن الذكاء نمو السلوك الأخلاقي. فكم من شخصية عبقرية لكنها لم تكن خيرة. إذا أراد الآباء النجاح في التربية الأخلاقية للأطفال، فإنه يجب أن يساعدوا أطفالهم ليس فقط على التفكير بطريقة أخلاقية بل أن يتصرفوا بطريقة أيضا أخلاقية. وهذا يعني أنه يجب أن يتعمدوا تعليم أطفالهم مهارات "الذكاء الأخلاقي" المهمة مثل حسم الصراعات، والتعاطف، وإدارة الغضب، والتفاوض بطريقة عادلة، استخدام ضبط أو التحكم في النفس، وغيرها. لقد عرفنا دائماً أن المقياس الحقيقي للشخصية تحدده تصرفاتنا وليس مجرد ما نعتقده من أفكار. وما لم يعرف الأطفال كيف يتصرفون بطريقة سليمة، فإن نموهم الأخلاقي سيظل معيباً أو ناقصاً.

الخرافة السادسة: (يبدأ النمو الأخلاقي في سن الالتحاق بالمدرسة).
من الأخطاء الشائعة انتظار الآباء حتى يبلغ أطفالهم 6 أو 7 سنوات. والحقيقة أنه عند هذه السن تكون العادات الأخلاقية السيئة قد تشكلت، مما يجعل من الصعب تعديلها. يجب أن يبدأ الآباء في تعزيز النمو الأخلاقي للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، هذا على الرغم من أنهم في هذه السن من المؤكد لا يكون لديهم القدرات المعرفية للتعامل مع المنطق الأخلاقي المعقد، ولكن في هذه السن تكون بداية اكتساب عادات مهمة كممارسة ضبط الذات، وممارسة العدل، وإظهار الاحترام والتعاطف. كلما بدأ الآباء في تعزيز ورعاية القدرات الأخلاقية لأطفالهم مبكرا، كان لديهم فرصة أفضل لتربيتهم على الأخلاق الحسنة.

الخرافة السابعة: (الأجيال السابقة لم تدرِّس أبنائها "الذكاء الأخلاقي" ، لذا فإن الآباء والأمهات اليوم لا يجب عليهم أن يفعلوا هذا).
ينشأ أطفال اليوم في جو أكثر تلوثاً من الناحية الأخلاقية من الأجيال السابقة، فهناك الكثير من العوامل الاجتماعية التي ترعى الأخلاق قد أخذت في التحلل. كما أن أطفالنا اليوم يقعون تحت وابل من الرسائل الخارجية التي تتعارض مع القيم القيمة التي نحاول غرسها.
واليوم لم يعد ممكنا أن يجلس الآباء مفترضين أن أطفالهم سوف يصلحون بشراً لائقين. إن التدريس المقصود أو العمدي للفضائل الأخلاقية والعادات التي تشكل الذكاء الأخلاقي والعقل الأخلاقي في البيوت والمدارس قد أضحى اليوم ضرورة لا يمكن التغافل عنها. وأول خطوة هي وعي المربين بهذه الخرافات والعمل على تبديدها.

تعليق عبر الفيس بوك