هل عدمت الحيلة في حل مشاكل الوطن؟!

حمد العلوي

نعم، ليس اليوم الوقت المناسب للتباكي على اللبن المسكوب، وليس اليوم وقت طرح المطالب بالتوظيف، أو الامتيازات: أكانتْ تلك الواجبة أم السليبة بقرار رجعي، نقول هذا وجميعنا يعلم الحالة الاقتصادية الصَّعيبة التي تمر بها البلاد، ونحن العُمانيين أهل حكمة ونخوة، ولسنا من أولئك الذين يقولون نحن ومن ورائنا الطوفان، وخيرُ شاهد على ما أقول: الأزمات المناخية الصعبة التي مرت بها البلاد في الماضي القريب، وقد تصدَّى لها العُمانيون بشكيمة قوية، وصبر على الابتلاء، وأظهروا وحدة وطنية رائعة، وحسن تعاضد يشعر المرء بالأخوة الحقيقية، وقد أذهل الكون كله ذلك التعاضد الكريم، خاصة من عرف حجم الضرر الذي وقع على الوطن، والشعب العُماني يشكر ربَّه على أنَّه لم يبرمج لكي يحب قسراً سلطانه، وهو بحمد لله لا يخاف من السجون السرية، ولا سحب الجواز والإبعاد عن أرض الوطن، فقد أحب القائد لأنه قائد لا نظير له اليوم بين قادة الأمم، ولرد التحية بأحسن منها كانت محبة جلالة السلطان في العقول قبل القلوب.

لكن نقول، يا تُرى هل المواطن أو الموظف البسيط هما المسؤولان وحدهما عن ذلك؟ أم المسؤولون الإستراتيجيون هم المسؤولون عن سوء التخطيط وقصور النظر، إنَّ الإخفاقات التخطيطية، وعدم القدرة على تحديد المهام وتحليلها تحليلا منطقيًّا، يعود على عاتق أهل الحل والربط في الدولة، وكان الواجب عليهم أن يضعوا كافة الاحتمالات أمام القائد ليختار أفضلها ليأمر بتنفيذها، ولكن الحقيقة المرة تقول: إنَّ القائد بنظرته الثاقبة هو من كان يبادر بالتوجيه، فقد وجه جلالته -حفظه الله وأبقاه- بتنويع مصادر الدخل قبل ذلك، وحذَّر من الاعتماد على النفط وحده، وهذا التوجيه كان قبل أن تفاجئنا أزمة انخفاض سعر برميل النفط عام 1986م غير أن تلك التوجيهات السامية التي كان قد وجَّهها جلالة السلطان المعظم -حفظه الله وأطال في عمره- لم يؤخذ بها مأخذ الجد؛ ذلك من قبل المسؤولين المعنيين في الدولة، وكان الانخفاض في سعر النفط يمثل واحدة من مكايد العرب ضد العرب، وقد يكابر مكابر فيقول: ومن الذي قال لك إنهم لم يفعلوا شيئاً؟! فالرد عليهم سهل، وذلك بالقول: إنَّ المرة الأولى كانت مفاجئة لكم، ولكن كيف نلدغ من نفس الجحر مرتين، ولم يكن الفارق أسبوعاً أو سنة، بل بعد ثلاثين عاماً من ذلك التاريخ، وقد حدث الأسوأ للأسف الشديد.

إذن؛ لقد مضى الوقت وأتت المكيدة الثانية، ونحن بسبب سوء التخطيط ما زلنا نغطُّ في نومٍ عميق، ولكن في هذه المرة نحن مُهمِلون وغير متفاجئين، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر النفط مرتين وها قد لدغنا، وهذا التكرار فقط للتذكير ليس إلا، إذن من يُهمل يجب أن يحاسب، وأن يعاقب تأديباً وتعزيراً له وردعاً لغيره، ولأنه في هذه المرحلة من عُمر النهضة العُمانية المباركة، لا يجوز التجريب، بل وتجريب المجرب، فيجب أن تكون المعالجات معروفة، ومخططة ومجربة مسبقاً، ولا يشوبها شائبة الغموض مطلقاً، فإن كان عَسُرَ علينا نحن العُمانيين بلورة الأفكار الناجعة لحل مشاكلنا، فإنَّ هناك دولاً حول العالم قد سبقتنا في حل معضلات التخطيط، وقد بلغت مراحل متقدمة من النجاح في الكثير من المجالات، فلنأخذ من تجاربها الشيء الذي ينقصنا في حل معضلاتنا الاقتصادية وحتى الإدارية، ولكن لا نُضيّع الوقت في التجريب والتجريب المكرر.

لقد صرَّح بعض المسؤولين بأنَّ المشاكل تشابكت عليهم، وقد تعسَّرت عليهم الحلول، وصرّحوا علانية، إن الحل ليس بيدهم وحدهم، ولكن هناك من يناظرهم في المنصب والمسؤولية، ورغم أنَّهم يمثلون أقلية في القلة الفالحة، ولأن لديهم الرغبة والعزيمة والشكيمة الوطنية، تجدهم الأقدر على ابتداع الحلول وحل المعضلات، فتجدهم يتخطُّون تلك العقد الظرفية، وليس كذلك وحسب وإنما يتخطون حتى العقد الكيدية التي يضعها بعض الزملاء في طريقهم، ويضعونها أسفل قدميهم ويعبرون فوقها، والحقيقة تقول: إنَّ من عوَّد نفسه على التخاذل، واهتم بالركون إلى المحبطِين في مؤسسته، وخضع لتخويفاتهم له، فقد فازوا عليه وخسر هو أمام الناس مصداقيته في الأمانة الوطنية، وقد وَضَع نفسه علكة في الأفواه؛ بسبب ضعف قدرات ملكاته القيادية، وهزل في الشخصية، وضعف في المشاعر الوجدانية، فقد استسهل العذر على المبادرة.

تُرى: إلى متى سيظل المسؤول غير مسؤول؟! وهذا تساؤل ظللنا نطرحه ككتَّاب ليس بيدنا حيلة، إلا قول كلمة الحق في وجه مسؤول متخاذل، رغم أننا نؤمن بأنها -مجرد أقوال على صفحة جريدة- لا تؤثر في نفوس المتخاذلين وقد لا يقرأون ما يكتب، وإذا قرأوا اعتبروه حسداً وغيرة لا أكثر، أمَّا هم فقد تخطّاهم العتب هكذا يرون أنفسهم، والكلمة وحدها لا تصلح شيئًا في من لا تحركه مشاعره الوطنية من تلقاء نفسه، وربما يكون ذهنه قد أصبح فارغاً من الإبداع والتجديد، لذلك أرجو من المطالبين بالتوظيف في الوقت الراهن، ألا يلحوّن على طلب التوظيف، وإنما يلحوّن على طلب معرفة خطط الحكومة المستقبلية، لما بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة؛ لأن الذين فاجأتهم أزمة انخفاض سعر برميل النفط بعد ثلاثين عاماً، حتماً سيفاجئهم أنَّ هناك خريجين من الجامعات يتعلمون من أجل إيجاد عمل ولقمة عيش، أي قبل الاهتمام بالعلم كطلب للمعرفة وحسب.

إنَّ الغموضَ في التخطيط وأهدافه، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية، أصبح حالةً ملازمة للأمة العربية كلها، وليس السلطنة وحدها، وبلدنا حتى في السلبية تحب أن تكون على الحياد، وكنا نتمنى عليها ألا تقتدي بالأضعف، وإنما تشق لها طريقا مع الدول المتقدمة، وقد تكون حرية الكلمة في بلادنا هي الوحيدة التي خرجت عن قدوة العرب، لذلك استطاعت أن تُظهر بعض جوانب القصور في التخطيط الآني والمستقبلي، فبدلا من الشفافية والوضوح من قبل المسؤولين في الدولة، فإنَّهم سيظلوا يحمِّلون المواطن مسؤولية إخفاقاتهم، فوجدوا أنَّ من السهل عليهم مد أيديهم في جيب المواطن، رغم هزال هذا الجيب؛ وذلك لتغطية سوأتهم التخطيطية، فرُفعت قيمة الضرائب، والرسوم أضعافا غير منطقية.

فهناك بعض الرسوم رفعت بنسبة 300%  فعلى سبيل المثال، ورقة وكالة يكتبها الكاتب بالعدل، كانت بريال واحد أصبحت بثلاثمائة ريال، وكذلك القوى العاملة والبلديات والبيئة، وكل من له وسيلة أو حيلة لسلب هذا المواطن، فليحتال لسلبه تلك الريالات الشحيحة من جيبه (وهي سرقة رسمية مقنَّعة)، وقد وصَفَتْ كلها في المواطن البسيط، وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة. أما أصحاب الشركات الكبيرة فقد هربوا بجلدهم، وذهبوا حيث يوجد الكذب والمكسب، وحتى التجار عندنا لم يفتهم نصيبهم من هذا المواطن المحاصر، خاصة تجار قطع الغيار ومواد البناء، فالذي يكون هنا بآلاف الريالات، تجده في دول الجوار بأسعار رمزية مقارنة مع الأرقام الفلكية عندنا.

وخلاصة القول: ليس كل الحلول يجب أن تأتي من القمَّة، طالما هناك أجهزة في الدولة يفترض منها أن تكون فاعلة وحاضرة، وإن نجاحها لا يكون واقعياً، إلا بإشراك المواطن في الرأي والمشورة من خلال الأفراد مباشرة، أو عبر مجلس الشورى الذي يحاول بعض الحكوميين تهميشه و"دكورته" (من ديكور)، ولكن الجميع يعلم أنَّ صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -أيَّده الله وأمدَّ في عمره- يقدر هذا المجلس، ويُكن له عظيم الاحترام. وفي الختام، لا يسعنا إلا الدعاء بالقول: اللَّهم بصِّر مسؤولينا فينا، وأنزل في قلوبهم الرحمة، والخوف من يوم الحساب، اللهم احفظ عُمان وشعبها من كل سوء، وانصر اللهم سلطاننا العظيم، واعفُ عنه وعافيه، وارزقه البطانة الصالحة يا عزيز يا قدير.