حتى نضمن بيئة سياسية صالحة لأجيالنا القادمة (3)

 

د. راشد بن علي البلوشي

 

مواصلة لما نشرناه في الحلقتين الماضيتين حول كيفية ضمان بيئة سياسية صالحة للأجيال القادمة، نستكمل اليوم الحديث عن دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توفير الوظائف للشباب العُماني (كل حسب استطاعته)، إذ يتعين على هذه المؤسسات القيام بذلك الدور.

كما يجب عليها دعم الأندية الرياضية والثقافية والفنية للمساهمة في شغل أوقات فراغ الشباب في الأنشطة المفيدة، وتعشيب الملاعب الرياضية في المناطق السكنية، وتشجير الحدائق العامة والمتنزهات والساحات العامة (بالتنسيق مع الجهات المختصة)، وتوسعة المساجد وتوفير الأجهزة الكهربائية والفرش لها، وتوفير ملاعب للأطفال في الأحياء السكنية، وتسوير المقابر وتزويدها بالمياه والإضاءة (حتى لا نحتاج مناقصة لكل نشاط بناء في المُجتمع!)، وترميم منازل الأسر التي تنتظر الدعم الحكومي، والتبرع لذوي الاحتياجات الخاصة والجمعيات الخيرية لمصلحة العائلات محدودة الدخل والأيتام، وكذلك توفير الأدوات المدرسية لأبنائهم. وغير ذلك من الأنشطة التي من شأنها تقليل وإزالة الإحساس بالتفاوت لدى فئة محدودي الدخل، وكذلك تقليل الضغط على موازنة الدولة. وننوه هنا إلى أهمية نشر ثقافة التبرع والتطوع والعطاء وتشجيع الجميع وخصوصا الموسرين من أبناء الوطن على العطاء للمجتمع بشتى الطرق والوسائل كونها من أهم وسائل درء مخاطر ومكونات العنف والتمييز والشعور بالتفاوت في المجتمع.

أما المؤسسات الكبيرة والعالمية فهي مطالبة بإنشاء مشاريع اقتصادية وتجارية لتشغيل الشباب العماني على نطاق أوسع، وبناء مبان للوحدات الحكومية المختلفة، وتمويل مشاريع رصف الطرق السريعة والداخلية وإنارتها، وتوفير مِنح دراسية لأبناء الوطن، وتوفير الدعم المالي من خلال القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة (الزراعية والسمكية والتجارية) التي توفر مصدر دخل ثابت للمواطنين، وغيرها من مجالات دعم الجهود الحكومية بغية الوصول إلى تنمية مستدامة في مختلف المجالات دون الاعتماد على النفط وحده.

طبعا، لا يقتصر دور الشركات الكبيرة والعالمية على ذلك، بل يمتد إلى إنشاء مراكز تمويل البحوث الاستراتيجية في مجالات النفط والغاز والطاقة البديلة والتعدين والسياحة والاقتصاد والطب والجيولوجيا والزراعة والغذاء والمياه والبيئة والتربية وغيرها من المجالات الضرورية لإمداد الأجيال القادمة بمقومات الحياة الكريمة. ولذلك فإنَّ الشركات الوطنية الكبيرة مطالبة بإنشاء مراكز بحوث ودراسات، كل في مجال اختصاصه. تقوم هذه المراكز البحثية بتعيين الباحثين وتمويل الأبحاث التي يقوم بها موظفوها وكذلك أساتذة الجامعات المحلية المختصون وكذلك الطلبة وخصوصا طلبة الدراسات العليا. فكم من مبدع في هذا البلد لم يحصل على فرصة الدراسات العليا. فوجود مثل هذه المراكز يخدم الطرفين، فهو يوفر الأبحاث اللازمة لتطوير مُنتجات هذه الشركات وآليات عملها، وفي نفس الوقت يوفر فرصة الدراسة والبحث لمن أراد أن يحصل على درجات الماجستير والدكتوراه. ويؤدي هذا كذلك إلى إحلال العمالة الوطنية المؤهلة والمدربة محل العمالة الأجنبية في الشركات الكبيرة والعالمية وكذلك في الجامعات والكليات والمعاهد العلمية المحلية، مما له أفضل الأثر في التقليل من السيولة النقدية التي تُغادر البلاد كل عام.

لقد كنَّا كمسلمين القدوة في العطاء، ولكن يمكننا أن نتعلم ثقافة العطاء من المجتمع الغربي الذي يقدر معنى العطاء. فكل من يدرس في الغرب يلاحظ أن البنايات في الجامعات (من مبان كليات ومعاهد ومراكز تعلم ومراكز بحثية ومبان إدارية وفصول دراسية) تحمل أسماء الأشخاص (أو المؤسسات الخاصة) الذين شيدوها، وهذا يعني أن الحكومات في تلك البلدان لم تقم بكل شيء، فالقطاع الخاص والأغنياء من أبناء تلك البلدان قاموا بدورهم في المُجتمع من أجل الوصول به إلى أعلى درجات الكمال. كذلك تقوم الشركات في ما يسمى بالعالم الأول بتوفير العديد من المنح الدراسية للمواطنين (وكذلك للأجانب بهدف جذب العقول) وكذلك بدعم أبحاث وابتكارات الشباب في مجالات عمل هذه الشركات حتى يستفيدوا من الأبحاث في تطوير منتجاتهم وصناعاتهم، ولذلك فهم معروفون بإنتاج التقنية والاختراعات وتصديرها، وليس فقط باستيرادها وتصنيعها، كما يفعل الناس في ما يسمى بدول العالم الثالث.

أستاذ اللغويات المساعد جامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك