تمكين المرأة العُمانية.. اقتصاديًّا!

حاتم الطائي

بخطوات واثقة وإصرار لم يفتر، خاضت المرأة العمانية غمار الحياة العامَّة من أوسع أبوابها؛ وأسهمت في بناء المجتمع.. فمسيرة النهضة الظافرة على مدى 47 عامًا جعلت من المرأة العمانية نموذجا فريدا مقارنة بنظيراتها في محيطها الإقليمي، وذلك بفضل إرادة سياسية آمنت بها معولَ بناءٍ وشريكًا لا غِنَى عنه؛ فكانت منهن الوزيرات، والمكرَّمات أعضاء مجلس الدولة، والسفيرات، وممثلات مشرِّفات للسلطنة، وصاحبات سعادة، ومديرات، وصاحبات مشاريع ورائدات أعمال؛ سواءً في القرى أو المدن، في الحضر أو البادية، في السهل أو الجبل؛ استجابةً وطنيةً لدَعوَةٍ أطلقها مَولانا حَضرَة صاحبِ الجلالةِ السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم -حَفِظه الله وَرَعَاه- لها بأن تُشمِّر عن ساعد الجد، وأن تُسهم في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب قدرتها وطاقتها، وخبرتها ومهارتها، وموقعها في المجتمع.

وخلال مسيرة لم تتوقف يوما، واصلت المرأة العُمانية دورها المنوط بها -ولا تزال- داخل البيت كأم وزوجة وابنة وأخت تُعِدُّ الأجيال وتغرس القيم والعادات والتقاليد. كما أثبتت جدارتها عبر مجموعةِ مهنٍ وضعت فيها بصمتها المميزة، وسجَّلت اسمها بحروف من ذهب؛ وأخذت تبحث عن الجديد والمفيد الذي يثري عالمها وتبني به مجتمعها.

وأنا هنا لستُ بصدد استهلاك كلمات وعبارات تستعرضُ دَورَ المرأة العُمانية، وكيف أثبتت وجودها بإصرارٍ، كأمرٍ معلومٍ في مُفردات التنمية بالضرورة، وإنما الغاية تلمُّس دَربِ التوازن بَين الحقوق والواجبات، وفق مبادئ وقِيَم يستند إليها المجتمع ابتداءً، وبناتنا ونسائنا على وجه الخصوص، تَضمَن مزيدًا من التمكين النسائي، وبلورة ملامح جديدة لمستقبل تتغيَّر فيه الصورة المترسخة في الأذهان عن طبيعة العمل النسوي؛ واستحضار أفكار غير تقليدية لمشاريعهن الريادية، ودعم القائم منها لتحمل أعلى معايير المنافسة والتميز؛ كإشكالٍ يكتسبُ أهميةً بالغةً من توقيت مُناقشته. فقبل أيام دشنت جريدة الرؤية مبادرة "ملتقى التمكين المالي للمرأة العُمانية"، بالتعاون مع شركة فيرجن إنترناشيونال ماركتس الكويتية، ليكون ذلك إيذانا ببَدء مُنتدى "ياسمين" المستدام، الذي صُمِّم خصيصًا لدعم تَمكِين المرأة في عالم الاستثمار المالي، وتزويدها بوسائل التعليم والتثقيف والتدريب المكثف؛ تلبيةً لشغفها بالدخول إلى عالم المال والأعمال، وبناء خبرات ومعارف في الأعمال التجارية وريادة الأعمال.

و"تمكين المرأة" كمُصطلحٍ يُشير إلى عمليةِ الانتقالِ من حالةٍ اقتصاديةٍ إلى حالةٍ أفضل بتقويةِ النساء في المجتمعات المعاصرة، بأن تَصِير المرأة أكثر وعيًا وإدراكًا للطريقة التي يُمكِّنها بها أن ترسم خطوط مُستقبلها، وتخط طريقها بنفسها. ومن هُنا، فإنَّ تمكينُ المرأة العُمانية عمومًا، واقتصاديًّا على وَجه الدقَّة، وتعظيم مُشاركتها الفاعلة بالنشاط الاقتصادي الوطني -سواء في سوق العمل، أو في الأنشطة التجارية والاقتصادية المختلفة- يعدُّ بمثابة إضافة رقم صعب إلى مؤشرات التنمية، وهو ما نأمل معه أن يُكتب التوفيق لأعمال مبادرة "ياسمين"، لتتوصَّل إلى إيجاد آليات عملٍ تترجم التمكين المالي للمرأة واقعًا، واعتبار رسالة الملتقى بمثابة وقفة لمراجعة ما حقَّقته المرأة العُمانية من إسهامات؛ ومُعالجة التحديات التي تقف أمام مشاركتها الفاعلة، علاوة على تهيئة المجال أمام تبني حلول مُناسبة تحُول دُون هدر موارد المجتمع، وتعطيل نصف موارده البشرية؛ وتوفير السبل والوسائل المعِينَة لها لمواصلة شراكتها في البناء والتطوُّر والنمو، كمًّا ونوعاً، بجانب رفع نسبة تمثيلها في مواقع صُنع القرار، تأسيسًا على إنجازاتٍ متحقَّقةٍ حفاظًا على استدامتها، وتعزيزًا لقدرتها في مواجهة التحديات المستجدة.

والحديث عن مزيدٍ من التمكين الاقتصادي للمرأة العُمانية، لابد أن يَخرُج عن نمطية الاعتماد الأحادي على مُجرد إصدار تشريعات وقوانين ولوائح منظِّمة، مهما كانت مُواكِبة لإيقاع العصر، بل يجب حقيقةً رَسم ملامح جديدة للمستقبل؛ يختفي فيها التفاوت بين الرجل والمرأة في الاستثمار، وتُرسَى فيها دعائم المساواة الكاملة في الفرص، وتهيئة بيئة تمكينية تجد فيها المرأة مزيدًا من الدعم والتأهيل، وتوفير جُملة محفِّزات وتدابير تشجِّعها على مزيدٍ من المشاركة في النشاط الاقتصادي، والبدء بمشاريع واعدة تثبت من خلالها وجودها، وتلبِّي احتياجاتها، وتضطلع بدورها كاملًا في خدمة الوطن. فرغم أنَّ التشريعات والقوانين القائِمة تُقدِّم تسهيلات تَدعَم مسيرة مُشاركة المرأة تنمويًّا، إلا أنَّ ما نَنشَده جميعًا هو تحقُّق هذا التفهُّم لظروف المرأة واقعًا بمُشاركة مجتمعيَّة كاملة؛ فالجهد الحكومي والنظام المَرِن في الدوام ببعض الوظائف، ليسا نهاية المطاف؛ بل المطلوب -بالتوازي مع ذلك- تسهيلات تُوجِد مساحات أكبر للإنتاج وإثبات الذات؛ من أجل أن تحقِّق المرأة دورها الكامل في التنمية المستدامة، والبناء بفاعلية، وتسجيل مساهماتها بصورة نوعية تتناسب والمكانة التي وصلت إليها.

إنَّ مفردات المرحلةِ الحاليةِ من عُمر نهضتنا المباركة، تمنحنا ضرورة تبنِّي خطابات أكثر وضوحًا عن تمكين المرأة العُمانية اقتصاديًّا؛ كفكرٍ يُحفِّز ويشجِّع على إكساب اقتصادنا الوطني قيمة تنافسية أكبر، وهو ما لن يتأتَّى دون تبنٍّ جاد وعميق من جهات الاختصاص لإستراتيجيةٍ وطنيةٍ يُتفق على ملامحها وأهدافها، تخرج إلى النور، تجسِّد حرصًا مجتمعيًّا على إتاحة كافة الفرص أمام بنات ونساء الوطن للمشاركة الفاعِلة في مسيرة العطاء، وتحديد السياسات والإجراءات وخطط العمل التي تؤدي إلى مزيد من التمكين، وإتاحة الفرص أمامِهن كي يكُنَّ مُسَاهِمات فاعلات على مُختلف الصُّعد والمستويات.