أبعاد استراتيجية (9)

 

المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: العملاق الوطني النائم (2)

د. هلال بن سعيد الشيذاني

تطرق المقال السابق لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتحديات الأكبر التي تواجه القطاع من حيث العمالة الوافدة والتكتلات في السوق، وضرورة تكاتف العمانيين ليُشكلوا منظومة متكاملة من الدعم لبعضهم البعض وليقفوا أمام التكتلات الأخرى التي تحاول أن تُبقي لنفسها قدم السبق واليد الطولى في السوق، ولا ننظر إلى هذه الحيثيات من زاوية تنافسية بحتة، وإنما من زاوية أن الرفاه الاجتماعي يتحقق باكتمال جوانب المنظومة كلها، فصاحب العمل العُماني ينجح إذا نجح أقرانه، والموظف العماني، سيوفر العيش الكريم لأسرة، والمجموع يعني بقاء سيولة أكبر داخل السلطنة متوزعة على أطراف متعددة، بما يحقق الرفاه الاجتماعي العام. فما هي الفرص الأكبر لتقوية القطاع؟

تأتي الصناعة في المقام الأول، وتنقسم الصناعة إلى نوعين. النوع الأول يُعنى بصناعة ما يتم استهلاكه وطنيًّا، وهذا وإن كان ذو فائدة اقتصادية جيدة، لأنّه يحفظ الكثير من الأموال من الخروج إلى خارج الوطن، إلا أنه يعتمد أساسًا على السوق المحلي، وهو سوق غير كبير الحجم، وبالتالي فإنَّ المنتجات ستواجه تحديات الخروج إلى الأسواق الإقليمية أو العالمية. والثاني، هو الصناعات ذات السمات العالمية أو الإقليمية، وهذه لها استمرارية أكبر، ولها دور أكبر في تعظيم الفائدة الاقتصادية، إذ إنها تجعل من السلطنة مصدرًا لصناعات يحتاجها مستهلكون خارج الحدود مما يعني جلب سيولة نقدية من خارج السلطنة، وهو ما يدعم الاقتصاد الوطني بشكل أفضل، ويحقق الرفاه الاجتماعي بشكل أسرع.

تحل السياحة في المقام الثاني، وتتمحور جوانب السياحة بعمل العمانيين على تغطية كل قطاعات السياحة الترفيهية منها والتعليمية والتاريخية وغيرها من الجوانب التي تتكامل فيما بينها. ما يميّز السياحة أن لها سوقين داخلي وخارجي في ذات الوقت متى ما استندت على إستراتيجية متكاملة وواضحة. فلدى عُمان ذخيرة واسعة من الخيارات الممكن توظيفها في هذا القطاع، كالقلاع والحصون والصحاري والجبال والتباين الطبوغرافي والتنوع الحضاري والإقليمي الداخلي بين البحر والسهل والجبل. إلا أن السياحة، ومن أجل أن تنشط فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى متطلبات من البنى التحتية والمعرفية. فلا شك أن المطارات ذات الخدمات المتقدمة، والفنادق ذات الأسعار المنافسة، والطرق ذات معايير السلامة كلها متطلبات أساسية لنشاط هذا القطاع. لكن، يضاف إلى تلك البنى التحتية، البنى المعرفية، فالسلطنة في حاجة إلى وضع برامج تأهيل للمرشدين السياحيين الذين بإمكانهم شرح التاريخ، وبإمكانهم سبر الصحاري ونقل السياح بأمان بين هضابها، والصعود بهم إلى قمم الجبال وإنزالهم منها بيسر وسهولة وأمان؛ وهذا لا يتطلب معرفة سطحية بالتاريخ والقيادة، بل يتطلب تأهيلا جيدًا لأنه ينقل السمعة وينشر المعرفة عن القطاع. كما أن تأهيل عدد من المرشدين السياحيين لغوياً، للحديث باللغات العالمية الأكثر انتشارًا له أهميته في إضفاء الراحة النفسية على السياح من خارج السلطنة. أما بالنسبة إلى السياحة الداخلية، فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لها مساحات كبيرة وفرص عديدة للخروج إلى مجالات واسعة من الاستثمار، كالمطاعم والمقاهي، وشركات قيادة السيارات والنقل، ومكاتب الإرشاد السياحي، وشركات تقديم الخدمات الصحية في المتنزهات والأسواق القديمة والحارات الأثرية، التي تسعى الدولة للحفاظ على سماتها العامة كما هي.

يحل عالم تقنية المعلومات بالمرتبة الثالثة في هذه المنظومة، حيث إنه بطبيعته عالمي التوجه، ولا يتطلب رؤوس أموال كبيرة، كما أن الداخل إلى هذا القطاع يعلم أنه يلج من خلال بواباته إلى الأسواق العالمية بصورة مباشرة. ولعل أهم ما يحتاج إليه الشباب في هذا القطاع هو وجود منصات تسويقية مشتركة وتحالفات داخلية تمكّنه من العمل من خلال العالم الافتراضي لتحقيق أرباح كبيرة. فتجربة الفيسبوك وتويتر والواتساب، كلها مؤشرات واضحة على قوة هذا القطاع والمجالات التي يُمكن له المضي فيها بما يحقق ثراءً مجتمعياً كبيرًا، ليس من خلال الدخول إلى السوق العالمية فحسب، بل ومن خلال تطوير منظومات داخلية لحل مشكلات في الحياة اليومية للفرد في أي مكان من العالم.

يأتي قطاع الاستثمار التعليمي كأحد المساحات الجيدة التي يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحراك فيه، حيث يمثل القطاع بوابة التعامل الثقافي بين المجتمع العماني المعروف بسماته الحسنة، وبين الثقافات الخارجية التي ترغب في دراسة اللغة العربية أو الدراسة في مؤسسات التعليم العالي العمانية، بحيث تعمل هذه المؤسسات على إحياء مسارات التبادل الثقافي بين السلطنة وخارجها.

تعمل هذه القطاعات وغيرها من القطاعات المتعددة كقواعد رئيسة في تقوية الاقتصاد الوطني، كما تعمل متكاتفة متى ما تم النظر إليها جميعا من خلال منظور واحد نحو رؤية وطنية واحدة مشتركة، وسُهِّلت لها العقبات وتم إسنادها لتواجه المنافسين والتحديات. ونعود إلى القول بأن هذا القطاع هو عملاق نائم، لأن له بعدًا استراتيجيا مهما في تكوين الصورة العمانية التي تتوافق مع تاريخ عمان الكبير وليحقق القواعد لمستقبل واعد يحفظ للوطن استقلالا اقتصاديا ورفاها مجتمعيا ثابتا ومستمرا. فالديمومة والتطور الذي يقود للثبات هما أكبر مؤشرين تحتاج إليهما الدول ليكون لها رفاه اجتماعي ونماء اقتصادي في منظومة العولمة. وأخيرًا، نعود لنتذكر أن كل ريالٍ يظل في الوطن يضيف لرفاه الوطن، وكل ما خرج أضاف إلى حيثما خرج.  

    تويتر: @abualbadr72

تعليق عبر الفيس بوك