تحديات الأطباء .. أسباب الأزمة؟!

 

 

د. حارث الحارثي

نشر الكاتب مُحمد رضا اللواتي مقالاً في جريدة الرؤية الأسبوع الماضي، بعنوان: "إن كنت مريضي.. ساعدني"، وفي حقيقة الأمر هو مقال مُميز من رجل يحمل فكرًا متطورًا، بدأ بمحاولة "فصفصة" أبعاد التحديات التي يواجهها الأطباء الجُدد جراء عدم توظيفهم، وانتهى بمُحاولة إيجاد حل حقيقي وعملي للتوظيف عبر استحداث قنوات جديدة للدخل وباستخدام الموارد القائمة.

اتفق مع جل ما ذكره اللواتي وسأحاول، في هذا التعقيب على المقال، إضافة المزيد، عبر توسيع أفق الحوار قليلاً، وأبدأ بتوجيه سؤال للكاتب والقراء عن المشكلة الحقيقية التي نُواجهها نحن معشر الأطباء؟ هل هي اقتصادية؟ هل هي إدارية؟ أم سياسية؟!

 

القطاع الطبي لدينا بحاجة إلى هؤلاء الأطباء الشباب واستثمرت دولتنا الحبيبة موارد طائلة لتدريبهم. هناك -وكما ذكرت- عدد كبير من الأطباء الوافدين يعملون في القطاعات العامة والقطاع الخاص أيضًا ونسبة تعمين مهنة الأطباء ضئيلة جدًا. المبالغ التي يفقدها الاقتصاد العماني بشكل مُباشر من تحويلات رواتب هؤلاء إلى بلادهم وبشكل غير مُباشر عبر عدم استخدام استثمارات التعليم وتدريب الطبيب العُماني وأيضًا ما يفقدك جودة الخدمة يجعل خيار توظيف العُمانيين هو الخيار الصائب اقتصادياً.

 

توظيف هؤلاء الشباب يتماشى بشكل كامل مع فكر مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم -حفظه الله -وتوجيهاته للحكومة في أكثر من مُناسبة بأن بناء الإنسان العُماني هو أولوية المرحلة القادمة وبأن تمكين العماني من خدمة وطنه "حق لكل مواطن" قادر جسدياً وعقلياً على ذلك. مولانا جلالة السلطان افتتح ورعى جامعة السلطان قابوس وحرص على تخريج دفعاتها بنفسه لسنوات عديدة وكلكم تذكرون ذلك. إذاً، لا يوجد غموض سياسي في أمر هؤلاء الشباب وأحلامهم وآمالهم التي تتفق تمامًا مع سياسات الحكومة الرشيدة لمولانا.

 

إذا أين يكمن وجه الخلل ولماذا شهدنا هذه الأزمة المُفتعلة التي لا تتفق مع أيّ سياق لمنطق أو لفكر؟ لماذا عانى -وقد يُعاني- المزيد من أبنائنا الأطباء الشباب من عدم توظيفهم وتمكينهم من الوصول لأقصى إمكاناتهم لخدمة وطنهم؟.

 

برأيي المسألة لها جوانب تتعلق بنقطتين أساسيتين، هما الإدارة، ثم الأطباء والعاملين في القطاع الصحي.

 

سأبدأ من الأخيرة وأقولها - وبكل حسرة- إننا جميعاً كعاملين في القطاع الصحي خذلنا هؤلاء الشباب وخذلنا أنفسنا لسنوات عديدة عبر أنانيتنا وفكرنا المحدود وأفقنا الضيق. الجمعية الطبية العُمانية خير شاهد على تلك الأنانية وضيق الأفق، فدعمها بالانضمام إليها والفعالية في المساهمة ضمن لجانها والدفع قدماً نحو كسب المزيد من الصلاحيات لها ليس من ضمن أولويات الأغلبية منِّا، ومطالباتنا ليست منسقة ومتسقة بيننا في مجمل الأحوال. نحن لم ننجح في تنظيم أنفسنا وتطوير ثقافة العمل الجماعي، بما يخدم مصالحنا المشتركة في القطاع الصحي وبالتالي مصلحة وطننا. لن أتطرق لأسباب ذلك ولكن الإقرار بمسؤوليتنا عن جزء من المشكلة هو مهم جدًا.

الجانب الأول الذي ذكرته أعلاه، وهو الإداري ينقسم إلى:

١) إدارة قطاع الصحة

٢) إدارة الحكومة وتفاعل مكوناتها.

 

فالقطاع الصحي يُعاني فعلاً من عدم وجود إدارة جامعة فعلية وفاعلة له عبر "مجلس وطني للصحة" ينسق عمل المكونات والهياكل المختلفة ويضع السياسات العامة. نحن نتعامل مع دولة صغيرة هنا من حيث عدد السكان من المُواطنين والوافدين، والذي لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة. نحن بحاجة لإدارة قطاع الصحة وبالتحديد إدارة للمؤسسات التعليمية والتدريبية الصحية تضمن تنفيذ سياسات إستراتيجية تطور الشباب من أول يوم دخولهم لكليات الطب إلى أن ينهوا تدريبهم في التخصصات ويلتحقوا بالمؤسسات. إيجاد جهة مسؤولة ومنظمة فاعلة للقطاع الصحي أمر أساسي.

 

الجانب الإداري الثاني والمهم هو أيضًا متعلق بإدارة القطاع الصحي ووجود الجهة المسؤولة عنه بشكل وثيق، فيفترض أن تكون الموارد المطلوبة والإمكانيات الأساسية محددة وموجودة ومخصصة لتمكين إدارة القطاع الصحي بشكل عام وسياسات التعليم والتدريب الصحية بشكل خاص من الوصول لأهدافها. سنوات الدراسة الثمانية وسنوات التخصص الخمسة تشكل كلها حلقة متصلة تنتج لنا الطبيب الأخصائي بعد 13 عاماً من الاستثمار المُتصل. ومن المشين -في رأيي- أن تبتر تلك العملية الطويلة ونفقد استثمارات نتيجة تقاذف الجهات الإدارية الحكومية المختلفة المسؤولية بينما المسؤولية عن تنفيذ سياسات جلالته الحكيمة هي عليها مجتمعة.

وزارة المالية عليها دور ووزارة الصحة كذلك وأيضًا وزارة الخدمة المدنية وغيرها؛ كل هذه الجهات لها أدوار أساسية ومهام متطلبات وأولويات ولكن عملية وضع قائمة الأولويات لها جميعا يجب - في رأيي- أن تكون منظمة أكثر وتضع قطاعات الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية في أعلى القائمة.

وأختم بالتأكيد على أنَّ الأمراض العامة تحتاج إلى علاجات تتناول أصولها وليست أعراضها المحلية على جزء معين من الجسد فقط.

تعليق عبر الفيس بوك