روَّادنا خارج عُمان

 

راشد الجنيبي

إنَّ لكل فرد خصائص اجتماعية وهي من السمات الطبيعية للإنسان، وبطبيعة الحال الإنسان الفرد لا يستطيع العيش بمفرده، بل يحتاج أن يكون ضمن جمعٍ من الأفراد متعايشاً معهم مشكِّلين معًا مُسمَّى "المجتمع"، وهذا المجتمع يكون في منزله، أو حيه، أو مكان عمله، أو بلده بشكل عام. والفطرة السليمة في هذه الخصائص تدعوه للمبادرة بالخير لهذا المجتمع، ومن هذه المبادرات الأكثر فاعلية ما يسمَّى بالعمل التطوعي؛ لأنها تُسهم إيجاباً داخل إطار المجتمع، وترسم صورة إيجابية عن المجتمع من خارج الإطار، وتوضح مدى سموه في الازدهار وانتشار الفضيلة والأخلاق الحميدة، العمل التطوعي هو سمة قديرة في المجتمع ونشاط إنساني حضاري يُسهم في تعزيز قدسية الإنسان.

ومن أهم مراحل الإنسان: مرحلة الشباب، والشباب هم وقود المجتمع، وهم الحامل الأول لشعلة النهضة، وهم الأقوى في المبادرة، بغض النظر عن تأطير هذه المرحلة في فئة عمرية، فكما قيل: "الشيب شيبُ القلب لا الرأس"، لو أستذكر شيئاً من هذه المبادرات الشبابية في عمان، والتي تمثل الشق الثاني من مفهوم التطوع (رسم صورة إيجابية في الخارج عن المجتمع)، فأول من يطرأ ببالي هم شباب العطاء من المبتعثين للدراسة خارج السلطنة، لأنني عايشتهم وشعرت بجذوة النشاط والإنجاز من خلالهم، إن كانوا تحت اسم مجلس طلابي في المملكة المتحدة، أو جمعيات طلابية في أستراليا، أو أنشطة طلابية في الولايات المتحدة، أو مبادرات طلابية في باقي دول أوروبا، أو أي عطاء لطالب مبتعث خارج بلاده.

هؤلاء من عايشتهم من الطلاب الحاملين لزمام المبادرة هم نخبة من الشباب الفاعل القائد للحراك والنشاط الطلابي العُماني في الخارج، لستُ أقصدُ بالضرورة أن يكونوا نخبة النخبة من المتفوقين بامتياز في العمل الأكاديمي، بل أقصدُ هنا أصحاب مبادرة التطوع وحاملي الحس المجتمعي والإنساني كما ذكرت في بداية السطور، أكثر من عشرين جمعية طلابية عمانية حول المملكة المتحدة منضوية تحت المجلس، وعشرات غيرها في أوروبا وأستراليا وماليزيا وأمريكا، كلهم على نسيج واحد بإشراف من الملحقيات الثقافية وسفارات السلطنة، قاموا بمبادرات مثلت لبنة التطوع وهي تقديم مساعي الخير لأفراد مجتمعهم العُماني في الخارج، مبادرات كلم شمل الطلاب الجدد فور وصولهم إلى لندن أو غيرها، وغيرها كـ"تجربتي في الابتعاث" لطلاب أستراليا في عمان لتُعِدَّ الطلاب المقبلين على الابتعاث، مجلة "نتاج" في بريطانيا، الجامعة لبحوث الطلاب العلمية باللغتين في مجلة واحدة، وأختها مجلة "قِطاف الجامعة" للأعمال الأدبية والفنية للطلاب، إنتاج دليل طلابي مطبوع للطلاب المقبلين على الابتعاث تحوي كلَّ ما يخص المدينة التي سيدرس فيها الطالب...وغيرها من المبادرات الحميدة والمميزة سيتم ذكرها في قادم السطور.

الإتقان في هذه الأعمال التطوعية يُمكننا أن نراه في الإبداع في نوعية الأنشطة التي تمت، أي لو أُضيف شيئاً من التعمُّق إلى الأنشطة التي قام بها المجلس في المملكة المتحدة كوني هناك، سيوقن المتابع أو المشرف أن في كل موسم أنشطة المجلس تزداد عددا وتألقاً، في السنوات السابقة كان جل ما يشغل الجمعيات هو احتفالات العيد الوطني ودوريات كرة القدم، لكن اليوم باتت أصداء "سفراء عمان"، و"نتاج" و"قطاف" ومسابقة "فنر" للتصوير الضوئي واليوم الثقافي بفعالية "تكلم حتى أراك" لمسابقة الإلقاء، ودوريات التطوع والتبرع بالدم وعمليات فلترة مواهب الطلاب، باتت أصداء هذه الأنشطة تمثل لونا من ألوان التنوع والتجدد والإبداع في العطاء...وغيرها من أنشطة عدة يقومون بها خلال هذا العام تُعدُّ تنمويةً لإخوانهم الطلاب ومنصة لانطلاقاتهم على أقل تقدير، "سفراء عُمان" مثلاً: منصَّة للشباب لتجسيد طاقاتهم بعدة أشكال، ويمكن أن نعتبرها معولا لتطوير شخصية الطالب ولتنمية مهاراته وخبراته، فعندما يبذل الطالب مجهودا في الجانب الأكاديمي يكون له مثل ذلك الجهد وأكثر في جوانب أخرى، في علم الموارد البشرية يعتمد نجاح المرء بشكل عام على شخصيته وسماته القيادية وطرق تواصله وعلاقاته ومهارة تفاوضه بنسبة 85%، بينما الـ15% تعتمد على علمه الأكاديمي ومهاراته التقنية، أرى بأن نشاط كـ"سفراء عمان" يعزز من الجانب الأعظم أي الـ85%، فإدارة الجمعيات تكسب الطلاب خبرة واسعة في التعاون والعمل والتطوعي والتعامل مع أنماط عديدة من الشخصيات، وشق "جائزة الأفراد" تخلق فرصا لهم للظهور للملأ.

ختاماً.. الجهات المشرفة كالْملحقية الثقافية والسفارة ووزارة التعليم، خلقوا الفرصة ليبدأ هؤلاء المبادرون أولى خطواتهم، وكما تم ذلك أدعوا الفاعلين والمسؤولين إلى أنْ ينصتوا لهؤلاء النخبة من الشباب والاعتناء بهم وبنشاطهم وبتفردهم القيادي، بل واستنساخ مثل هذه التجارب على ربوع الوطن بمختلف الأصعدة؛ فالعمل التطوعي ينم عن سمات قيادية والأمم عمادها القادة الشباب الفاعلون، وكشاهد على نشاطهم، أرى أن أسمى الإيجابيات التي سيكتسبونها في هذه المرحلة التي ستتيح لهم فرصة تجربة مهام قيادية، هي كسب العلاقات وصناعتها؛ إذ تتسم كل عضويات إدارة المجلس مثالاً بخاصية التواصل وصنع العلاقات على كل الأصعدة، على الصعيد الطلابي والإداري والوزاري والثقافي وغيرها. وكون الطلاب المساهمين في الإدارة يكونون في مرحلة سن مفصلية، تُسهم هذه الأدوار في نحت شخصياتهم ونفث الشوائب عنها بالتجربة والمخالطة.

وفي الجانب الآخر، قد تُشكِّل هذه المهام التطوعية عائقاً على دراستهم وتنظيم أوقاتهم وأعمالهم اليومية، إن لم يحسنوا إدارة أوقاتهم، لكن ذلك يعزز لديهم حس المسؤولية.