"إن كنت مريضي.. ساعدني"!

 

مُحمَّد رضا اللواتي

الفترة الفائتة، انشغلت التغريدات بتداول أزمة الأطباء العُمانيين الذين باتوا لا يجدون أفقا لحل أزمتهم إلا بالبحث عن فرص توظيف خارج السلطنة، في حين تمتلئ مستشفيات وعيادات البلد، لا سيما في القطاع الخاص، بالعديد من الأطباء الأجانب!

يقول أولئك الأطباء العُمانييون بأنهم يعانون أزمات عدة لعل أشدها ثلاثة:

- الأولى: أنهم بعد دراستهم يكونون في مسيس الحاجة لسنة الامتياز، وهي التي إن لم يجتازوها لن يتمكنوا من العمل في أية جهة وفي أي مكان. لقد كانوا فيما سبق من السنين يتم توظيفهم من قبل وزارة الصحة مقابل راتب شهري، إلا أنَّ الذي حدث هو أنه ما عاد مُمكنا توظيفهم الآن لكي يجتازوا سنة الامتياز. يتفهم أغلب أولئك الأطباء الظرف الاقتصادي العصيب الذي يمر به البلد، لكنهم أيضا قلقون للغاية من مصير مهنتهم، ويسري قلقهم إلى الذين لا يزالون في مقاعد الدراسة؛ إذ لا يعلمون ما الذي ينتظرهم.

- الثانية: الأطباء ولكي يتخصَّصوا لا بد لهم أن يجتازوا امتحانات مجلس الاختصاصات الطبية، والمجلس بدوره يقوم باختيارهم بعد اجتياز الامتحان ليكونوا متدربين لمدى 5 سنوات براتب، إلا أنَّ وزارة الصحة الموقرة لا تتمكن من توظيفهم، ربما لتحفظ من قبل وزارة المالية.

- الثالثة: أنَّ الأطباء الذين اجتازوا الامتحانات وحصلوا على درجة "طبيب اختصاصي" لا يتم تطبيق بنود اللائحة الطبية عليهم، فلا يتم تعيينهم "طبيب اختصاصي A"، وهذا خلاف ما تنص عليه بنود اللوائح الطبية. ومن جهة أخرى، لا يتم معاملة الطبيب الأجنبي بالمثل، فهو يحظى بدرجة "طبيب اختصاصي A"، في حين أن مؤهله العلمي مطابق لمؤهل الطبيب العماني العلمي.

يقول هؤلاء الأطباء إنَّ هذا قد يكون مستساغا -بمرارة - في القطاع الخاص، إلا أنه لا يكون مقبولا بتاتا -من وجهة نظرهم- في القطاع العام؛ فالعماني أولى من غيره مادام يحمل المؤهل ذاته!

لا شك أنَّ الأزمة ليست وليدة مزاج، باستثناء النقطة الأخيرة التي تتعلق بتوظيف الطبيب الأجنبي وإهمال الطبيب العماني -إنْ صحَّت- فبُعدها الآخر يكمن في الأوضاع الاقتصادية التي أثرت بشكل واضح على أغلب قطاعات البلد الحيوية، ولكن هنالك أصوات تؤكد أنَّ الحلول موجودة، وقد تم تقديم بعضها، تحديدا لهذه الأزمة، في مختبرات "تنفيذ" التي لا يُعلم على وجه التحديد لماذا لم "تُنفذ".

فأحد المهتمين بالشأن الاقتصادي المحلي من إحدى شركات القطاع الخاص من الشباب العماني كان قد تقدم بمقترح شرحه بتفصيل مُمل في "تنفيذ"، لاقى استحسان العديد من الأطباء، هذا عندما "غرد به" لتلقى وجهات النظر حوله. 

مُقترحه هو أن تعمل كافة مستشفيات السلطنة ومراكزها الصحية بكفاءة تامة وبكافة أجهزتها، بعد الدوام الرسمي (الثانية والنصف ظهرا) مقابل أجرة، وإلى وقت بداية الدوام الرسمي مجددا (السابعة والنصف صباحا) شأنها شأن عيادات ومستشفيات القطاع الخاص، ومن المتوقع أن تدخل المراكز الصحية الحكومية في منافسة مثيلاتها من المراكز، بل قد تفوق لا سيما المراكز الحية المنتشرة في القُرى والتجمعات السكنية، على أن تكون أجرة الطبابة تنافسية جدا، فلو زار 50 مريضا لعشرة من هذه المراكز والمستشفيات ودفعوا 5 ريالات فقط أجرة الخدمة الصحية لخرجت وزارة الصحة نهاية العام بتسعمائة ألف ريال، وهو مبلغ كفيل بتوظيف الأطباء وحل أزمتهم.

فكيف لو زاد عدد المراجعين نظرا لقرب الموقع والانتشار وسعر الخدمة التنافسي وجودته؟ لا شك أن هذه المراكز الصحية والمستشفيات ستصبح أحد أهم خيارات مؤسسات القطاع الخاص الكبرى حين تجديد عقودها لتأمين موظفيها الصحي. أما إذا تم إضافة خدمة الفحص الطبي للوافدين ليلا في المراكز الصحية، حيث تلزم القوانين فحص ما يزيد على مليون وافد سنويًّا، فهذه حتما ستكون إثراء للصندوق الذي بإمكانه بمنتهى السهولة ليس فحسب حل الأزمة المالية، وإنما توفير دخل للبحوث الطبية للمستشفيات العامة، مما يزيد من تطوير الأداء وجودته، وهذا بدوره يقلل من اللجوء إلى السفر للعلاج؛ إذ إنَّ عشرات الآف من المواطنين يسافرون سنويا لأغراض العلاج.

من الممكن "لتنفيذ" في بادئ الأمر، وعلى حساب التجربة، أن يختار مجموعة من المراكز الصحية وبعض المستشفيات لدراسة النتائج.

وسواء كان هذا المقترح جيدا لتجربته على أرض الواقع أو لم يكن، ينبغي أن تكون الأسباب التي تقف وراء إهمال تطبيقه حقيقية ولا تكون الخصوصية "العمانية" والمتمثلة في "تأخير المشروعات الجادة" -كما وصفها الزميل خلفان الطوقي قبل أيام في عمود له على صفحات هذه الجريدة الغراء، ويا له من وصف مؤلم حقا- هي السبب في إعاقته.

إنْ لم يكن الاقتراح المشار إليه أعلاه جيدا، فحتما توجد مقترحات جيدة أخرى تستطيع حل الأزمة قبل أن تتفاقم، ليس بالأسلوب التقليدي -كتحويل الرواتب الشهرية للأطباء أثناء فترة الامتياز إلى علاوات رمزية- وإنما بالتفكير خارج الصندوق -كما يقولون- وإلا فكم سيكون مؤلما أن يقف "تنفيذ" في ركن، معلنا عجزه، وآلم منه مغادرة أطبائنا الشباب إلى وجهات أخرى، في حين أن الأجنبي يتمدد في مقعده الوثير مسترخيا. لسنا ضد أحد، فبلدنا يستقطب كل الكفاءات، لكن "الوطنية" تأتي أولا.

وختاما.. نعتذر من الشاعر الكبير نزار قباني إذ على إيقاع البيت: "إن كنت طبيبي ساعدني كي أرحل عنك"، صاغ الشاعر العُماني مصطفى بن محسن اللواتي بيتا يقول فيه: "إن كنت مريضي ساعدني كي أبقى معك" عنوانا للمقال.

mohammed@alroya.net