الدراما العُمانية كما ينبغي لها أن تكون

الحياة الاجتماعية في الدراما العُمانية ( 3 - 10)

شيخة الفجريّة – باحثة عُمانيّة - سلطنة عُمان


ثمة الكثير من القصص الدرامية التي تتناول عُمان تاريخاً وحضارة، في وضوح الشروط الدرامية المؤثثة لهذه القصص، ومنها وصف أبرز مرتكزات الحياة قديماً(إجتماعياً، ودينياً واقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، وعُمرانياً)، ويأتي تصوير ما كانت تعيشه عُمان من رخاء وترف في وصف ويندل فيلبس أكثرَ سحراً وجمالاً، إذ يُعطي للصورة المتلفزة بُعداً أخاذاً، له ما يبرره ويرجحه فيقول: وتربتها خصبة، ويوجد اللؤلؤ على طول الساحل، وتربى الخيول في الجبال على نطاق واسع، والدول الأخرى التي تتاجر معها تشتري الخيول واللؤلؤ والبلح، ويحصلون مقابلها على بذور حب الهال، والكافور(1).
ويمكن الاقتراب أكثر من مبررات الدراما (الإذاعية/ المسرحية /التلفزيونية /السينمائية) العُمانية، من خلال الكشف عن الحياة في عُمان في العصور القديمة، مثال ذلك:  
يقول روبين بيدول: إنَّ أول من أورد المشاهد الاجتماعية التي تصف أهل عُمان، هو القس البريطاني أوفنيجتون، وذلك عندما نشر انطباعاته عام 1689م، ومن المقاطع التي أوردها "روبين بيدول" هي: "أن ما يتمتع به العرب أهل مسقط من اتزان وضبط للنفس ونزوع إلى العدل والإنصاف، يندر أن تجد شيئاً قريباً منه في أي مكان آخر بالعالم في هذه الأيام، فلا يوجد أحد أكثر منهم اعتدالاً في مأكلهم ومشربهم..."(2)، وتُعد هذه الصورة من أجلِّ الصور التي يمكن الاستشهادِ بها في حال الشروع بكتابة نصٍّ درامي يتناولُ الإنسان العُماني في قصصٍ وثيقة الصلة به وبحضارته وتاريخه ومستقبله.
وفي كتاب" الخليج بلدانه وقبائله" لمايلز، فقد قال عن بعض  مفردات الحياة الاجتماعية في أحد الأودية: "مياهه متدفقة وتروي بوفرة بعض الحقول...، ويوجد كذلك حوض مياه كبير تذهب إليه النساء للغسيل والاستحمام وجلب المياه، ...، يحصلون على مياههم منة الآبار الضحلة، ويربون الأغنام والغزلان، ولاحظ...بعض الأطلال القديمة..., ويوجد برج وربما سور كذلك، و... بعض العملات المضروبة في عُمان أو نزوى في عصر أسرة البويهيين"(3).
أمَّا قمة الترف والغنى الإجتماعي في المعيشة والسكن وتوفر الاستقرار على كافة الأصعدة، فإنه قد جاء ذكره في كتاب المقدسي، إذ قال: "صُحار هي قصبة عُمان، ليس على بحر الصين اليوم بلداً أجلَّ منه، عامر، آهل، حسن، طيب، نزه، ذو يسار وتُجّار وفواكه وخيرات، أسواق عجيبة وبلدة ظريفة ممتدة على البحر...، ولهم آبار عذبة وقناة حلوة وهم في سعة من كل شيء، دهليز الصين، وخزانة الشرق والعراق، ومغوثة اليمن"(4)، ومن الترف الإجتماعي كذلك أن تكون المباني والدور مبنية كلها من الحجر الأحمر كما ذكر مايلز ذلك في كتابه(5).
وعن ذلك يمكن الاستضاءة أكثر مما قاله ابن المجاور، الذي كتب أنه:" كان في صحار اثنا عشر ألف منزل، وكلُّ ملّاحٍ كان يقيم في بيت مستقل...، وقد اعتاد سكان المدينة الحصول على مياه الشرب من إحدى القنوات، وقد أخبرني البعض أنه يوجد مائة واثنان ياردة حديدية تستخدم كمقاييس تجارية بين البائعين والمشترين، وقد بنيت المدينة من الطوب اللبن وخشب التيك"(6)، هذا يبين أهمية الأسواق وغناها، كما تدلُّ على غنى أهلها ومدى الرفاهية والرقي في حياتهم.
تتباين العلاقة بين الحاكم والشعب حسب الفترة التاريخية التي يتواجد فيها الرحالة الزائرين لعُمان، فهناك من الرحالة من أتى في فترة حكم مثالية، وآخر أتى في فترة حكم قاتمة، كما هي الأحوال تتقلب وتتبدل وتتوالى بتوالي الأيام، ويتجلّى ذلك من خلال ما وصفه بعض الرحالة، فقد تحدث مايلز أنه رأى في حصن البريمي بعض البنادق، ورأى المدفع النحاسي، الذي أحضره السيد سعيد بن سلطان من أمريكا بسفينته الحربية "سلطانة"؛ بتاريخ 1842م، وهذا فإنه يدلُّ على حرص الحاكم على حماية البلاد من أقصاها إلى أقصاها، من خلال تزويد مراكزها وحواضرها بوسائل الحماية، وكذلك تَحَدَّث ابن بطوطة عن حاكم عادل وصفه بأوصاف حسنه، فيما تحدث رحالة آخر عن ملك آخر في فترة زمنية أخرى من تاريخ البلاد، لا يستطيع أحد الحديث إلى هذا الملك حال مروره بين الناس.
وعن بعض تلك الأدبيات قال ابن بطوطة:" وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء"(7)، ولهم عادة" التصافح في المسجد أثر صلاة الصبح والعصر"(8)، ويصف ابن بطوطة عادات مدينة نزوى، بأن يأتي كل إنسان بما عنده ويجتمعون للأكل في صحن المسجد ويأكل معهم الوارد والصادر، ولهم نجدة وشجاعة(9)، ووصف ويلستد أهل الواحات فقد قال: " بأنهم قومٌ ذوو كبرياء وأنفة، وروح معنوية عالية لم يفسدهم الانتقال من حالة البداوة إلى الزراعة الأكثر استقراراً. ويتصفون بالشجاعة والكرم، وحسن الضيافة، ولكنهم في الوقت نفسه سريعو الغضب؛ ولا ينسون ثأراً "(10).
وقمة الأخلاق تأتي فيما وثقه لنا الرحالة اوفنيجتون: "أن عامة الناس لا يتعرضون أبداً للعنف أو الإهانة من الكبار، ولا يقاسون من أي نوع من التسلط، وحتى عندما يستشيط مخدومٌ غضباً لسبب أو آخر، فإنه لا يستطيع أن ينزل جام غضبه على خادمه، كما لا يحق للأب أن يضرب ابنه أو يعاقبه عقاباً عنيفاً كلما أراد، وحتى الحكومة تعارض إراقة الدم، والمجرمون والقتلة يكتفى بوضعهم في السجن، وتركهم هناك يعيشون خلف الجدران حتى يلقوا حتفهم في هدوء"(11).
ويمكنُ صياغة المواقف المناسبة للشرط الدرامي في بناء مشاهد تتبنى أسباب ماتم ذكره، إذ أنَّ ما تم ذكره يعني حالة الرخاء والاستقرار النفسي الناتج من ذلك، ومن المهم تتبع الظروف وخلق حياة درامية تحاول التقرّب مما كان.
المراجع:
1ـ فيلبس وندل: تاريخ عُمان، وزارة التراث القومي والثقافة، ط3، تر: محمد أمين عبد الله، مسقط،1989، ص28.‏
2ـ بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، تر: مصطفى كمال، مطابع البيان، دبي، بدون تاريخ، ص 202.‏
3ـ مايلز، س، ب: الخليج بلدانه وقبائله، تر: محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان، مسقط،1982، ص 437-439‏.
4ـ المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة ليدن،1909، ص97.‏
5ـ مايلز، س، ب: الخليج بلدانه وقبائله، مرجع سابق، ص437-439‏.
6ـ نقلاً عن: مايلز، س، ب: الخليج بلدانه وقبائله، مرجع سابق، ص443-444.‏
7ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ، ص276.‏
8ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
9ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
10ـ بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، مرجع سابق، ص212.‏
11ـ بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، مرجع سابق، ص 203.‏

تعليق عبر الفيس بوك