عُوْفِي المجد إذ عُوْفِيت يا عمان

 

علي المعشني

 

لم يَكُن من السهل أو اليسير علينا نحن العُمانيين أن نستوعب صدمة الأزمة المالية التي مررنا بها، والتي سببَّها تذبذب وانهيارات أسعار النفط. فقد كانت صدمتنا مركبة ومعقدة إلى درجة جعلتنا نتجه قسرًا نحو الالتفاف والاستدارة للماضي والحاضر ونسيان المستقبل، والسبب الوجيه والرئيس لصدمتنا هو غياب البدائل وقلة الممكنات وشحها وتهافت الحكومة على الحلول التقليدية المُكلفة والمؤرِّقة.

واليوم، نَرَى بصيصَ أملٍ تزداد مساحتة وتتسع لتبشرنا بتجاوز الأزمة وتعافي اقتصادنا، وتراجع المزيد من الخيارات التقليدية التي تُشعرنا بأننا لن نغادر مكاننا.

العام القادم 2018 سيكون -بإذن الله- عامَ رخاء وفق المؤشرات والمعطيات التنموية، حيث سيتدفق حقل خزان للغاز بصورة تجارية، وسيعزز خزانة الدولة بمبالغ مجزية تُسهم في تسديد العجز، ثم تعزيز الوفورات المالية للدولة، كما سيُسهم الكيبل البحري من استثمارات الشركة العمانية للاتصالات -عمانتل-  بتدفق الملايين إلى خزانة الدولة بصورة دائمة ومتنامية، وسيتم انتهاء الحكومة من جملة المشروعات التنموية عالية الكلفة كالمطارات والموانئ وما في حكمها.

أسعار النفط لم تغادر سعر الـ50 دولارا للبرميل، وهذا السعر بالكاد يغطي رواتب القطاع العام، وهو سعر مرشح بقوة للثبات وفق المعطيات والتقديرات العالمية لأسباب يطول شرحها، ويكفي أن نتوقف عند أزمة الخليج اليوم لنتساءل عن سبب ركود أسعار النفط وتدنيها؟ رغم أنَّ الازمة عناصرها ومسرحها دول ومنطقة ملتهبة بالنفط! لندرك أنَّ هناك مستجدات عالمية تزيح النفط عن عرش الذهب إلى سلعة قابلة للعرض والطلب، بل والتلاعب كذلك.

ما يهمنا في سلطنتنا الحبيبة هو ألا نتثاءب مجددًا حتى نصحو على هدير وضجيج أزمة أخرى، وألا يغرينا ويغوينا هذا التعافي للمزيد من المشروعات المكلفة والإنفاق غير المدروس كعادتنا -ومن واقع تجاربنا السابقة- مع الوفورات المالية.

فنحن من الأساس لدينا أوجه إنفاق مكلفة وباهظة التكاليف، وتتمثل في الإنفاق الهائل على الرواتب في الدولة، والذي يأتي على ما يقارب نصف الدخل، إضافة لصيانة المشروعات القائمة للحفاظ على جودتها وتطويرها، وبما يُلبي التوسُّع العُمراني والازدياد السكاني، ويتناغم مع مفردات الدولة العصرية.

يُفترض منا -بعد الحمد والثناء- أن نُرَاجِع كلَّ مُفردات التنمية القائمة في بلادنا، وأن نُعيد ترتيبها وجدولتها بما يتناسب مع حاجاتنا الضرورية والفعلية، وعلى رأسها التوظيف والتقاعد وقوة العمل، هذا الثالوث الذي يفتقر لغاية اليوم إلى فلسفة ومنظومة متكاملة في التعاطي التشريعي والعملي والإنتاجي، فنحن نتحدث عن دولة الرعاية الاجتماعية، بينما نمارس دور دولة الضمان الاجتماعي؛ حيث العطاء في مجمله بلا عائد يذكر.

ما زلنا نفكر في كيفية التقليل من التوظيف وترشيق القطاع الوظيفي في الدولة بمعزل عن آثار تلك المعالجات وخلقها لمشكلات جديدة كطوابير الباحثين عن عمل أو معاناة المتقاعدين، وأثر ذلك على السلم المجتمعي للدولة ووتيرة التنمية وجودتها؛ فعقلية البُعد الواحد والنظر للأمور من زاوية واحدة تجعل من الحلول المنتجة في الغالب الأعم مشكلات جديدة. كما أنَّ المشروعات الارتجالية أو غير المدروسة بعناية ستكلفنا الكثير من المعتمدات المالية للصيانة والتطوير في حال نجاحها، ناهيك عن فرضية خسارتها وانحسار جدواها من الأساس.

يدور الحديث اليوم -كمثال- عن أهمية النهوض بقطاع السياحة ليرتفع إسهامه في الدخل إلى نسبة 15% في غضون الأعوام المقبلة، وهذا يعني ضخ المزيد من الموارد المالية وتخصيص المواقع السياحية لاستقطاب المستثمرين والنهوض بالقطاع. بينما في الحقيقة قطاع السفر والسياحة في العالم يعاني من ركود عام؛ الأمر الذي يجعل منه قطاعًا غير مجدٍ للاستثمار، كما أننا في السلطنة نعاني من غياب فلسفة وهوية السياحة والتي يمكن أن تشكل إطارًا لخططنا وطموحنا. يضاف إلى ذلك أننا دائمًا ما نفكر بالتطوير بعمومه من بوابة الإنفاق المالي لا غير دون أن نعي أنَّ أيَّ قطاع تحفه الكثير من التشريعات والإجراءات، والتي قد تجعل منه قطاعًا جاذبًا أو طاردًا، والسياحة من هذه القطاعات التي لم نراجع إجراءاتها وتشريعاتها القائمة حاليًا لنقف على حلول أخرى غير الإنفاق المالي، وأنا على يقين بأن مراجعة نظام التأشيرات الحالي -كمثال- وإكسابه المرونة المطلوبة بالتزامن مع تسويق السلطنة كوجهة سياحية سيعزز من السياحة ومداخيلها دون الحاجة لمزيد من الإنفاق المالي والتوسع في المنشآت السياحية، وينسحب أمرُ المراجعات الإجرائية والتشريعية كذلك على جميع القطاعات الأخرى دون استثناء.

-------------------------

قبل الختام: ليتنا نتخلَّص من عبارة "لم تجر العادة" في ثقافتنا الرسمية، وبصورة نهائية، رأفةً بعُمان وحبًّا لها... وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com