لُغز مُنتخب الأرجنتين: هوية وظروف

 

حسين بن علي الغافري

بدأت المُنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا 2018م، تقصّ تذاكرها للتواجد في المحفل القاري الأكبر. وبطبيعة حال رحلة التصفيات تتخللها المشقة الطويلة والعناء في أغلب مراحلها؛ إلا أنَّ بعض المُنتخبات حسمت أمورها مُبكّراً، وباتت من اللحظة ترسم خُطط الاستعداد. من ناحية أُخرى، منتخبات عملاقة لا زالت تُصارع هي الأخرى حظوظها وآمالها. الأرجنتين إحدى النماذج المُحيرة عالمياً تترنح وتُعاني الكثير في مشوارها بالتصفيات رغم النجوم الكبيرة التي تمتلكها في مُختلف الخطوط. المُلفت للنظر أن جودة الأسماء التي يمتلكها المنتخب الأرجنتيني تصنع الفارق وتمتلك مهارات فنية عالية، وتقود كبار أندية أوروبا التي تُمثلها، بينما حضورها الوطني الفعلي ينقصه شيء ما حتى نرى الصورة سيان بين نموذج اللعب مع النادي ومع المُنتخب. فمن غير المقبول تسجيل 16 هدفاً في 16 مواجهة بالتصفيات بمعدل هدف يتيم في كل مباراة، وتلقي 15 هدفاً مع وفرة أسماء تقدم مستويات هائلة في كبار أندية العجوز!.

 

 

مرتّ على الأرجنتين عقبات مُتعددة طوال مشوار التصفيات مع تبقي مواجهتين حاسمتين. قيل بأنَّ الأسماء الكبيرة التي يملكها المُنتخب بحاجة إلى مدرب بإمكانيات عالية وخبرة واسعة يقود المجموعة ويستوعب قدرات النجوم بشكلٍ واضح. جاء سامباولي الذي اتفقت شريحة واسعة على قدراته وإمكانياته وبرضا إعلامي كبير وبخبرة فنية عالية ففي آخر تجربتين له مع مُنتخب تشيلي قدم كرة قدم على مستوى عالٍ وحقق بطولة الكوبا قبل موسمين. التجربة الثانية كانت مع أشبيلية الإسباني وقد أظهر حنكة تدريبية أهّلته لتولي مهمة الإشراف على التانغو وإيصال المنتخب إلى روسيا .. وبعدها الحديث عن طموح اللقب الغائب. سامباولي لم يضف الشيء الجديد إلى المنتخب حاله كحال أسلافه. المنتخب بذات مشاكله وضعف فني مماثل مع حال السنوات الأخيرة التي استوعبها الجمهور. إذاً فالمشكلة لم تكن إطلاقاً من المُدرب! وإن كانت من المدرب فليست "أصل" مشاكل المنتخب؛ وإلا لتغير الحال!.

مع كل ما يعانيه مُنتخب الأرجنتين من أوضاع إلا أن مصيره لازال معلقاً بيده. مُباراتين فاصلتين يمكن أن يحتل فيهما مركز ثالث أو ثاني في أحسن الظروف. وشخصياً أرى بأن المنتخب الأرجنتيني مُكّتمل ويمكنه الوصول إلى النهائيات والمُنافسة على اللقب إن وجدت ضالته. يملك الأسماء التي يمكن الرهان عليها، وإدارة فنية متمكنّة بقيادة خورخي سامباولي. الذي ينقص المنتخب من وجهة نظري ما علقّ عليه نجم المنتخب الفرنسي السابق ذو الأصول الأرجنتينية ديفيد تريزيغيه عندما ذكر بأن الأرجنتين "تحاول البحث عن هويتها وفلسفتها في اللعب، مع التغييرات المختلفة للمدربين".

لقاءان حاسمان للمنتخب الأرجنتيني في أكتوبر المقبل ستتضح الصورة جلية عندما يستضيف منتخب بيرو ويرحل لمواجهة منتخب الأكوادور. ست نُقاط هامة لزملاء ميسي لتحقيق حلم الوصول للنهائيات. وكُل محبي كرة القدم يُمنّون النفس بتواجد منتخب الأرجنتين العريق ليضيف متعته التنافسية على البطولة، التي يصعب علينا تخيلها بدون التانغو وصيف النسخة الماضية. مُنتخب البيرو تحدٍ صعب منتظر كونه يصارع على إحدى بطاقات الوصول إلى النهائيات .. ناهيك عن لقاء الإكوادور في أولمبيكو أتاهوالبا بظروف قلة الأكسجين التي تُعّرف عن قارة أمريكا الجنوبية. إجمالاً، ظروف وغياب هوية التانغو أمر لا شك فيه. واللقاءان القادمان مع منتخبات تنافس على الوصول لكأس العالم يعقدان المهمة ويزيدان الضغوط. ولكن كُل الجماهير تترقّبْ عودة الأوضاع إلى مجراها الطبيعي لنستمتع بكُرة طالما قدمت الكثير للجمهور وغيابها عن كأس العالم لا يمكن استيعابه.. ننتظر أن يبرهن زملاء ميسي على ذلك!.