مَنْ يحرك الاقتصادات؟!

محمد البلوشي

رُبَّما تكون العباءة التي نلبسها لتفاصيل الإجابة عن هذا السؤال الفضفاض، هي ما يعطي لنمطية التفكير الإنساني فرصة أن يذهب في تجميل الصورة ليعطينا الكثير من الأمان لهذا السؤال الكبير في معانيه، ليس طمعا في نتائج الحراك الاقتصادي فحسب، بل هو خوف من المجهول الذي يدور في أذهاننا في كثير من الأحيان.

ما أَثَار الفضول المعرفي إلى أنْ يتغلل إلى ذهني الثلاثيني لمعرفة تفاصيل هذه القصة، هو شيخ اقتصادي أعطى لعمره الستيني تقريبا فرصة البحث في هذا الموضوع، منذ أنَّ كان صبيا يافعا، اتفقت معه على أنَّ هناك أدوات متعددة يمكن أن تكون هي فرصة لتحريك الاقتصادات في منطقتنا العربية، ولكن هناك مساحة من الاختلاف نؤمن بها، إلا أنَّ العقل البشري لا تحده مساحة، ولا يقف عند فكرة بعينها.

الكثيرون منا يرون الهرم في شكله الثلاثي القديم، ولا نستطيع أن نتخيل هرما خماسيا أو رباعيا أو غير ذلك، لأنه وبكل بساطة لن يصبح هرما، بل سيتغير إلى اسم آخر يحيط شكله ومضمونه. وإذا ما أخذنا الهرم الثلاثي وجزَّأنا ما بداخله إلى ثلاث غرف فإن الغرف العلوية ستكون ظاهرة المكان وقليلة المساحة، أما الغرف التي ستتبعها فهي ستتوالى في الظهور وتتسع في المساحة، وهنا نسمي الغرفة العلوية للفرصة، أما الثانية فهي للتعليم، والثالثة ستخصص للحكومة.

نعم، يعتقد الكثير من الاقتصاديين أنَّ للفرصة مكانة قليلة في الاقتصاد ولكنها تعد أعلى وأهم الأمكنة إذا ما استثمرنا ما بداخلها؛ فالفرصة هي من قادت عامل السفينة البسيط إلى أن يتزوج من أرملة التاجر الكبير، وبالتالي أصبح الثراء حليفه، ولم تغطَ شركة الطيران التي كان يملكها من تسديد جزء من ضرائب الأصول والأموال التي كانت بحوزته، وهنا علينا أن ننتبه إلى الفرص التي تكون من حولنا وتحتاج منا إلى استثمار، فلا تخلو ذاكرة أحد منا من أسفٍ على فرصة ثمينة ذهبت عنه.

أمَّا التعليم، فجميعنا يتفق على أنَّه سيد من يوسع مدارك البشر في تصريف أمور حياتهم، وعلينا هنا أيضا حِمل كبير في إيجاد مسارات تعليمية تبدأ مع الأعمار الصغيرة، وتستمر في التعليم الجامعي والعالي، وتنتهي إلى منافع إنسانية يستطيع المجتمع أن يستثمرها كقيمة اقتصادية مُستدامة.

أمَّا الحكومات، فهي التي تأخذ المساحة الأكبر في خانة الهرم، وتعدُّ المحرِّك الأكبر من حيث الإمكانيات البشرية والمادية والمعرفية. ومن هنا، أجد دورا مهما وكبيرا على القطاع الحكومي أن يعمل عليه من خلال توفير الفرص كي يستثمرها أصحاب العلم والخبرة، وأيضا صاحب الفرصة، فإيجاد الفرص مهمة أصيلة تقع على عاتق الحكومات منذ مر التاريخ الاقتصادي؛ لأنها تعتمد في نظرتها على فكرة التنمية المستدامة لبلدانها، واقتناص أو استثمار تلك الفرص يأتي من القطاع الخاص أو أي طرف استثماري ينطلق من مبدأ الربحية، فعملية التنويع الاقتصادي تحدها فرصة التنمية من جهة، واستثمار الفرصة من جهة أخرى؛ لتصبح لها قيمة اقتصادية.

وهنا همسة بسيطة مع البرامج الوطنية التي أطلقتها الحكومة في مجال التنويع الاقتصادي بأن تقوم بصناعة الفرص الاستثمارية في شتى المجالات، وتقوم بتهيئتها بالشكل الذي يقوم معها القطاع الخاص أو القطاعات المرتبطة بهذا النوع من الاستثمار باستغلالها بالشكل الأمثل، وهنا سنجد صاحب الفرصة وصاحب العلم يتواجدان.

Pr.alwaraq@gmail.com