كيف نُوَاري سوءاتنا؟

هلال الزَّيدي

عِندما تنكشفُ السَّوْءَة ولا تجد ما/من يواريها، يصاب حينئذ ذاك الكيان بالجنون في تخبطه، فيكشف نواياه عن بِكرة أبيها دون مراعاة لحقوق من يحيطون به، وكما يقال في الدارج المحلي "إن كنت رايح.. كثّر من الفضايح"، أو "خربانه.. خربانه"، فهنا يتعرَّى من كل ساتر دون أن يراعي في محيطه إلًّا ولا ذمَّة.

وهذا ما ينطبق على الأزمات المؤدلجة عندما تغرس أنيابها في الوحدة والتآلف، فتذرها قاعاً صفصفاً، ويختلط حابلها بنابلها.. فكل شيء يُقحم نفسه فيها أو بالأحرى كل شاردة وواردة عليها أن تتأقلم مع تلك الأزمة، فتُجيَّش جميع مفردات الحياة لخدمة نجاح تلك الأزمة، حتى وإنْ بدت مقحمة ومتناقضة إلى أبعد الحدود، ولعل تلك السيئة تندرج في المنظومة المتسعة التي جُبل عليها "المنتزقون" بعدم الاعتراف بأخطائهم؛ كون هذه الأنفس تتغذى على الكبر والتكبر والتعالي، فبديهيا أنها تدَّعي أنها معصومة من الأخطاء والزلات، فهي أشبه بالملائكة، إن لم تكن هي ملائكة الأرض.

التصرفات السياسية أو "المراهقة السياسية" التي تنبري في كل ساعة من قبل بعض من الساسة وممن يوصفون بصناع القرار أماطت اللثام عن تحول كافة المجالات إلى كوكتيل من الهرج والمرج، فالكل عليه أن يدخل في المراهنات السياسة التي لا تسير وفق أطر واضحة تمس حياة الشعوب، وإنما وفق آلية تدفع إلى تأزّم المواقف. ويوما بعد يوم تتعرى الفضائل ويتعرى معها الأفراد حتى أصبحوا لا يحسون بعريهم، وإنما يتشمتون بالآخرين دون أن ينظروا إلى انكشاف عوراتهم، لذلك شمروا عن سواعدهم ليُرْجِعوا شعوبهم إلى الخلف ملايين السنوات الضوئية، وعليه تساقطت كل الأحلام التي بنتها الشعوب عبر حدودها الوضعية، وتحولوا إلى أبواق في كيل الاتهامات على بعضهم البعض، وهذا يعطي مؤشرا بأن بعض الشعوب على دين ملوكهم في كل شيء، لتتحول سنوات العطاء إلى سنوات قحط عجاف، يُنسف فيها ما عُقد عليه الأمل.

لم تحسن الشعوب إدارة أزمة التصادم السياسي بين الساسة؛ لذلك أُدخلوا فيها طوعاً وكرهاً، فكم من عقل متزن وقلم متقن وصوت ذي شجن سقط في وحل التراشق فانزلق إلى هاوية التملق والتكلف، فنسف كل ما قدمه في حق نفسه والآخرين حتى أصبحوا ممن يُطلق عليهم المؤجرين الذين تاجروا بالحياة بكل تفاصيلها، فتغيروا أو ظهروا على حقيقتهم ونظرتهم التي لا تتجاوز عتبة أنوفهم المزكمة بالشهرة.

إنَّ ما تشهده الساحة الخليجية من أحداث في عملية الحصار، يجعلنا لا نأمن عقود الود والتآلف، كون الفجوة تتسع شيئا فشيئا، آخذة معها الأخضر واليابس، وجميع ملتقيات الشعب الخليجي تداخلت مع الرغبة السياسية من رياضة إلى الإعلام والدين، وليس انتهاءً بالثقافة والفن، ولم نكن نعتقد يوما أن يشحذ فنانو الخليج حناجرهم ليعبِّروا عن رأيٍّ ليس برأيهم، ليقدموا عبر مسيرتهم الفنية أسوأ ما قدموه، وكم تمنينا أن يكون اتحادهم في موسيقى تلم الشمل ولا تُفتت الترابط؛ لذلك كانت قعقعة آلاتهم الموسيقة نشازا، لا تنم إلا عن عقول منغلقة تُسير وتُسيس، رغم أن الفن رسالة شعبوية سامية تنشد السلام والمحبة.

إنَّ الدعوة إلى ستر العورات والعيوب هو مبلغ إنساني بالدرجة الأولى، وقد دللّت عليه كافة الشرائع والأديان، ومهما كانت دسائس العداوة التي تنشب أظفارها، إلا أن العقل البشري يستطيع أن يُفرق بين الصالح والطالح، وليس كل ما يراه الساسة علينا أن نكون فيه طرفاً، فالصمت في مثل هذه الأحداث أبلغ ردًّا وأحكم رأيًا، والنزاعات التي تنشب بين مختلف الدول ما تلبث أن تزول إذا جانبتها الحكمة والتروي في إصدار الأحكام، وما نتمناه أن تبعد الشعوب نفسها حتى يسهل حل الخلاف، الذي عدَّه الكثيرون بأنه خلاف مؤدلج لغرض في نفس فاعله.

إنَّ انتهاج الحياد من قبل الشعوب في القضايا العالقة بين الساسة الأشقاء مبعث أمل لحلحة النزاعات التي قد تنشب، وليس من الصحيح تصدير الأزمة باستغلال الفن أو الثقافة أو الرياضة، لأن تلك المجالات لها استقلاليتها التي تنقل حضارة الشعوب وتقدمها، ولا يجب أن تربط بما يحدث في كواليس السياسة، لأنه من الأجدر أن توجه تلك الوسائل إلى نصرة المستضعفين في الأرض.

إنَّ حبك مسلسل الصراعات والخلافات لا يكون إلا تغطية لقضايا أهم وأشمل، وهذا ما تم على أرض الواقع من تجاهل ونسيان للقضية الأم، وهي القضية الفلسطينية، وقضايا أخرى كقضية مسلمي بورما "الروهينجا"؛ فالقتل والحرق في طريقه ليبيد تلك الفئة المسلمة، وإعلامنا يجيش نفسه ضد نفسه.

---------------------------

همسة:

دعونا نتعلَّم كيف نُوَارِي سَوْاءاتنا حتى لا يتسع "شرخ" الخلافات، ولنعلم جميعا أنَّ لكل كيان سَوْءَة.

abuzaidi2007@hotmail.com