الصوت الحزين في أغاني الفرح!!

المعتصم البوسعيدي

تَختلطُ الكثيرُ من المشاعر عندما تعيش تناقضات الحال؛ حيث الفرح المولود من رحِمِ الحزن، والسعادة المختلطة بالألم، والصورة التي تنقصها الألوان، وكلمة "لو" التي تزاحم السطور وتشكل النقص لكل نهاية جميلة.

وفي تصفيات مونديال روسيا 2018م، عانق الأخضر السعودي سماء التأهل في الرمق الأخير، وداعبتْ سوريا المثقلة بالهم حُلمًا عربيًا لا يزال مُمكنا، وتونس الخضراء على بُعد خطوة من النصر المظفر، ومصر أم الدنيا بين بين، أما المغرب فتكاد تلحق بالشروق، ومع "شتات" العرب اجتمعت القلوب -على أغلبيتها- خلف كرة "منفوخة" مع رجاء كبير أن تبقى الرياضة بمنأى عن السياسة، حتى لا نفقد خط الرجعة وخارطة العودة للوحدة المفقودة.

التأهل السعودي الذي عسرته الجولة قبل الأخيرة كان بمذاق لن يُنسى؛ إثر الفوز على المنتخب الياباني في الجولة الأخيرة بهدف المولد في ملعب الجوهرة المكتظ بأكثر من ستين ألف مشجع، تأهل جاء في وقته للكرة السعودية التي عانت الجفاف لفترة غير قصيرة، وعلى المسؤولين هناك الانتباه للمستوى وللبيئة "غير الرياضية" التي تعشعش فيها كالتعصب الذي يظهر جليًّا مع كل عثرة وخسارة، إضافة لضرورة التعامل بهدوء مع الصراعات وعدم اتخاذ قرارات ردة الفعل، وعدم الانجرار إلى "النزق" الإعلامي التصادمي في كل آن، والمهلل مع كل لحظة.

إنَّ ما صنعه المنتخب السوري في هذه التصفيات أكبر من التأهل أو من دونه؛ نظير الروح والتنافسية التي أوجدت مساحة فرح لبلد يعيش تحت سعير التحارب والدمار، ومهما حاولنا أن لا نكون عاطفيين ستبقى المشاعر التي انتابتنا مع هذا المنتخب تسطر فخرنا به ودعمنا له ولو "بأضعف الإيمان"، ورغم المشقة والطريق الوعر المتبقي، إلا أن الحظوظ أعتقد باتت متساوية مع انخفاض قوة المنتخب الأسترالي وارتفاع "الأدرينالين" السوري المتحفز لصناعة المجد.

وعلى الجانب الآخر وفي التصفيات الإفريقية نجد أنَّ العرب على عتبات المونديال العالمي، ومع الحسرة على ضياع فرصة تأهل منتخب "محاربو الصحراء" الجزائري الذي تاهت بوصلته تمامًا في هذه التصفيات، إلا أنَّ تونس صنعت لنفسها مسارًا مُمهدًا لروسيا خلال دقيقتين فقط أثر تعادلها المثير مع المنتخب الكونغولي، ومصر أمسكت بشمعة الأمل الكبير لتأهل طال انتظاره بقيادة المتألق محمد صلاح. أمَّا المغرب، فرفضت أن يكون الأمر "بيدها لا بيد عمرو" بعد تعادلها مع منتخب مالي، وبات عليها الآن أن تستعيد ذاكرة تألقها لتحقيق فوزين أحدهما في موطن الأفيال ضد ساحل العاج بالجولة الأخيرة.

يأتي الفرح العربي بتأهل الأخضر السعودي والترقب لأفراح عربية أخرى وسط ركام الألم على الأرض العربية التي تمر بفترة حرجة من الخليج للمحيط، وقد شاهدنا زج الرياضة في السياسة عبر مشاهد غريبة جدًّا وإفراط في الخصومة، علاوة على مشاهد الموت والمرض والتشرد، ربما هذا يقودني للإجابة عن سؤال طرحه الشاعر والأديب عبدالرزاق الربيعي في عموده الأسبوعي بجريد "عُمان": لماذا يغلف الحزن معظم القصائد المعروفة عن العيد؟! ربما لأنَّ الأفراح والأعياد تمر علينا مقرونة بأحوال متناقضة كما ذكرت في بداية المقال، تُعيدنا لشطر بيت المتنبي في كل مرة: "عيد بأي حال عدت يا عيد"، وها نحن نغني اليوم فرحا كرويا بصوتٍ حزينٍ، لحنه خصام هنا ودمار هناك!!