الدراما العُمانية كما ينبغي لها أن تكون (2 - 10)

شيخة الفجريّة
مشهدٌ مَهيبٌ ذلك الذي سَتَمُرُّ فيه الملكة شمساء (1)، محمولةً على مَحَفَتِها الملكية، التي تعتلي سَوَاعِدَ حُرَّاس المملكة، تَجُولُ بين الشعب، ساعية في تدبيرِ وإدارة شؤون مملكتها، بمصاحبة الموسيقى التصويرية ذات الجذور الفنيّة العُمانية المتوارثة، وتوزيع موسيقي مبتكَر، يُوافق جلال ووقار تلك الهيبة والإطلالة، في لقطاتٍ متتالية تعقد فيها الصفقات مع الملك"سرجون" الأكادي لاستثمار مصانع النحاس، مقابل معاهدات تجارية تتصدَّرها أطنان اللبان والبخور إلى مملكته ومعابدها، وحامية عسكرية تتضمنها مساندة ضد الأعداء الذين يتربصون للانقضاض على مملكة البخور واللبان، وهم كثر، لنعود بعدها فنشاهدها تتلقى أخبارِ المملكة، وتعمل على حل مشاكلها، تسبر النهار، وتسهر الليل تفكرُ وتقررُ، ثم تُصدِرُ المراسيم التي تحمي البلاد وتُسعد العباد؛ في إسقاطٍ نصّيٍّ يعالج الواقع بالحدثين الآني والتاريخي.
فـ" النصُّ في النقد الثقافي يتحول من حامل رسالة أخلاقية أو ذاتية، إلى نص محمل بعدد واسع من الشيفرات الثقافية، التي تُدمجه في خطاب الثقافة العام، وتخرجه من الحيز الضيق الذي وضع فيه مرحلة سابقة؛ حينما كان يختزل مفهوم النص في اللغة"(2)، مع التيقظ التام أن تتضمن تلك الشيفرات عدداً واسعاً من الأحداثِ التي تنطوي على"الإثارةِ والمفاجأةِ والدّهشة"(3)، في حبكةٍ متوازيةٍ مع الإطار الزمني الذي وضعت فيه، فالحكبة كما قال أرسطو، إنها:"... من أهم وأول الأجزاء...، أي إنها تشكل "الجوهر الأول...، بل لها منزلة الروح بالنسبة إلى الجسم الحي"(4)، وهي التي تحدد سمات كل شخصية، وموقعها في النص، فهي"ﺃﺩﺍﺓ ﻓﻨﻴﺔ يبدعها ﺍﻟﻤﺅﻟـﻑ لأداء ﻭﻅﻴﻔـﺔ يتطﻠّﻊ ﺍﻷﺩﻴﺏ ﺇﻟﻰ ﺭﺴﻤﻬﺎ"(5)، وعلى الرغم من أن الحبكة هي من تصنع الشخصيات، إلا أنه لا معنى لها بدون الشخصيات، وعن ذلك يقول مارون ألوود: "هناك ما هو أهم من الحبكة، هناك ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺫﻱ يعطي ﺍﻟﺤﺒﻜﺔ معنى ومغزى،وحياة  ...هذا الشيء هو الشخصية"(6)؛ ولأن تكون الشخصية ذات بعد تاريخي عميق، مع انتهاز المؤلف لمساحة الخيال المتاحة أمامه؛ لإضفاءِ الأحداث المنطقية لها.
بعدها نسعدُ بمشاهدةٍ أخرى، يكون فيها الملك جويسوس (في اللفظ اليوناني)، " قيس" (في اللفظ العربي)، ملك العُمَانِيين في بلاد اللبان (القرن1ق.م) (7) بطلاً لنصٍّ آخر، يعضَّدُ هذا النص بمشهدٍ صوّره الرحالة "إيزيدور"، في القرن الأول الميلادي (8)، في كتابه عن"جويسس" ملك أرض البخور العُمانية، في مملكته المستقرة والمزدهرة، فيأتي نصٌّ يتصدَّره بطلٌ تاريخي آخر هو نصر بن الأزد، نتعرف من خلاله على ما كانت تتميز به مملكته في بواكير التاريخ، في نصٍّ مستقرٍّ ومتماسك، فـ"التماسك يعد عاملاً من عوامل استقرار النص"(9)، وأهم عوامل استقرار النص وتماسكه هو إحالة الشخصيات لظروفها الطبيعية وبناء الأحداث المنطقية بما يتناسب والخطاب المراد توجيهه للمتلقي. كأن يكون أمامنا مشاهدة نصٍّ متلفزٌ، هو الأكثر هيبة وجلالاً، يُصورُ عبور سفن الملكة المصرية "حتشبسوت"(10)، قادمة من مصرَ إلى عُمان لتحملَ حصتها المعتادة من اللبان والبخور، وما أرادت من منتجات المملكة العُمانية، ملتقية بملوك البلاد، طالبة عقد الصفقات والاتفاقات، التي تسمح بنقل ما أرادت من البضائع المتكدّسة في الموانئ العُمانية، التي يرد إليها كل شيء من موانئ العالم القديم، عبر السفن الراسية من "سمهرم" إلى "صُحار"، قد يحتضنها نصّ مسرحي أو تلفزيوني أو سينمائي، متتبعين وصف الرحالة "مايلز" عن "صحار"، بما كانت عليه صحار من أهمية وازدهار وأسواق وشعبٍ متحضر، وما جاء عنها كذلك في رحلات "نيورتيسي" في عام 320 (ق.م)(11).
أمَّا حين ننتقلُ إلى نصٍّ يُعيدنا إلى مَجَان أو ماجان(12)، وإلى مُزون(13)، ففيهما سنتلمَّس معالم السعادة الحياتية على البشر والحجر، كما ذكرها الجغرافيون القدماء، أمثال ديودور الصِقلِّي، وسترابون، وبطليموس، الذين عَدَّوها من بلاد العرب السعيدة، لتتقاذف علينا بعدها الكثير من المشاهد الدرامية؛ المقتبسة من روح كتابات كلا من: الرحالة جارستن نيبور 1765م، والرحالة ايرفن شكسبير1902م، والرحالة ويلستد 1835م، والقس الرحالة بيتر زويمر1893م، والرحالة ويلفرد ثيسجر، وما ورد من مشاهد كتبها "سليمان التاجر"(14) في المخطوطات التي وصف بها عُمان عام 237 هجرية، الموافق851 ميلادية، وقد وثَّق الرحالة "سليمان التاجر" زيارته لعُمان في عام 238 هجرية، بالحساب الزمني والمسافات بين كل مكان وآخر.
بعدها يمكن اغتراف سيرة السادة والأئمة والملوك والقادة والسلاطين والبحارة والعُلماء والرحالة والمغامرون والشعراء واللغويون والأطباء العمانيين مما كتب عنهم في مؤلفات العرب وغير العرب، مثال ذلك:"عيون الأخبار" لابن قتيبة، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان، و"تاريخ الأمم والملوك" للطبري، و"جمهرة النسب"لابن الكلبي، و"فتوح البلدان" للبلاذري، وغيرها من الكتب التي أشارت إلى الشخصيات العُمانية مثل: الجلندى وابنيه عبد وجيفر، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وابن ماجد، والسندباد"أبو عبيدة"؛ وغيرها الكثير من الشخصيات.
ولن يبخل علينا كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي (أكبر الجغرافييين الذين عرفتهم البشرية قاطبة في الأهمية والأثر) (15)، فمن كتابه نستطلع بعض مكونات الحياة في بلادنا في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، والتعرّف على نوعية البشر، وصفاتهم الجسمانية، ومستواهم المادي والمعيشي، حتى نوعية علف حيواناتهم، ويوثّق مايلز تواجد الثعالب والضباع والأرانب الوحشية والغزلان والوعول، بحيث يمكنُ من كل ذلك بناء مادة درامية هادفة وممتعة في آنٍ معاً.
المراجع:
1ـ جاء ذكر الملكة شمساء في بعض المصادر العُمانية.
2ـ حمّودة، عبدالعزيز: الخروج من التيه"دراسة في سلطة النص"، عالم المعرفة (200)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآدب، مطابع السياسة، الكويت، ط1، 2003, ص259.
3ـ أدونيس: مقدّمة للشعر العربي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1986، ص112.
4ـ أرسطو: فن الشعر، ترجمة وتعليق وتقديم: إبراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،1983، ص98.
5ـ جلاوجي،عزالدين: النص المسرحي في الأدب الجزائري، مطبعة هومة، ط1، الجزائر، 2002م, ص157.        
6ـ جلاوجي،عزالدين: النص المسرحي في الأدب الجزائري، مرجع سابق, ص157.
7ـ انظر، تاريخ إيزيدور الخاراكسي، ف18، القرن1ق.م. ضمن بحث الجرو، أسمهان: مصادر تاريخ عُمان القديم، وزارة التراث والثقافة، 2006م، 8ـ يشير فيلبس إلى أن ذلك لابد كان في النصف الثاني من القرن الأول، وقد ورد اسم عُمان عند بطليموس الذي عاش في القرن الثاني للميلاد.
9ـ الفقي، إبراهيم: علم اللغة النصي"بين النظرية والتطبيق: دراسة تطبيقية على السور المكيّة"، دار قباء، ط1، القاهرة، 2000م ، ص 74.
10ـ توجد رسومات فرعونية عن هذه الرحلات في مآثر الملكة حتشبسوت.
11ـ المجيدل، عبدالله: عُمان في أدب الرحالة، مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 110 السنة الثامنة والعشرون - حزيران 2008، ص108.
12ـ كما سمَّاها السومريون، وبيّنوا معناها في النقوش المسمارية.
13ـ سمَّاها الفرس، وروي عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه قال ليريد بن المهلب بن أبي صُفرة: يا مَزوني، أي يا عُماني، أنظر: الصقري، محمود: المهلب بن أبي صفرة عُماني حتى مغرب الشمس، كنوز المعرفة، ط1، عمّان/ الأردن، 2017م، ص26.
14ـ قنديل، فؤاد: أدب الرحلة في التراث العربي، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة 2002، ص213، وكراتشكوفسكي، اغناطيوس يوليانوفتش: تاريخ الأدب الجغرافي العربي، تر: صلاح الدين عثمان هاشم، القسم الأول، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة 1961، ص141.‏
15ـ حميده، عبد الرحمن: أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم، منشورات جامعة دمشق، 1969، ص 205.‏(بتصرف)

تعليق عبر الفيس بوك